أن يشتمنى كلا الغريمين على المقال الواحد، فهذا شىء ليس صحيحاً بالمرة! اضربُ كفاً على كف وأتذكر أن رضا الناس غاية لا تُدرك.
أحزنتنى إلى أقصى حد تعليقات بعض القراء على مقالاتى الأخيرة. إذا ابتعدت عن السياسة وعدتُ إلى خط العمود الأصلى فى الأدب والمشاعر الإنسانية قالوا «هل تعيش على هذا الكوكب؟ وهل أنت بكامل قواك العقلية؟». وإذا اضطررت إلى كتابة رأيى لاحظت شيئاً غريباً جداً، وهو أنه يهاجمنى على المقال الواحد كلا الفريقين! المتعاطفون مع الإخوان يرون أننى أتحامل عليهم وأظلمهم ويهدوننى بالله جل جلاله! والكارهون للإخوان يرون أننى أجامل الإخوان لغرض فى نفس يعقوب وأن العمود انحرف عن مساره الأصلى!
باختصار أثير حيرة الطرفين معاً لمجرد أننى لم أدخل فى ظاهرة الاستقطاب هذه. مطلوب منى أحد أمرين: إما أن أعتبر الإخوان تجار دين وإرهابيين ولصوص أوطان يجب استئصالهم وأكتب فى ذلك. هم الذين قتلوا الثوار فى معركة الجمل! وكانوا على وشك بيع سيناء لإسرائيل مقابل 8 مليارات. أو أكون على الطرف الآخر فأعتبرهم أبناء الحسين المذبوحين فى كربلاء ظلماً وزورا. ضحايا العلمانيين والفلول والمؤامرة الكونية.
يسمح لى المجتمع أن أكتب فى هذا أو ذاك، وسأجد لى مشجعين وأنصارا. أما الشىء غير المقبول على الإطلاق فهو أن أدينهم فى جانب، وأدافع عنهم فى جانب. فأقول مثلاً إنهم فشلة ومتعالون ولكنى لا أرى أدلة موضوعية على فسادهم. أو أقول كانت نياتهم حسنة ولكن إمكانياتهم ضعيفة. أو أقول فيهم خير وشر مثل سائر الناس! أو لا أدافع عن الجيش ثم أعاتبه على الاستخدام المفرط للقوة. هذه كلها مواقف لا يفهمها المجتمع وبالتالى ينظر لصاحبها نظرة الارتياب والشك المسبق.
المشكلة التى ألاحظها وأنبه على خطرها أن كلا الطرفين غير مستعد لرؤية مزية واحدة فى الفريق الآخر. مع أننا فى مجال التنظير نُسلّم بأن الإنسان مزيج من الأبيض والأسود، وأنه لا وجود فى عالم البشر للأبيض الناصع والأسود الحالك، وإنما درجات متفاوتة من اللون الرمادى.
أنا لست مع الإخوان ولا ضدهم. وأتمنى أن يكون هذا المقال هو الأخير عنهم. رأيى باختصار أن الله أراد بهم خيراً حين نحاهم الشعب عن قيادة الوطن. وهم أضعف بكثير من أن يحملوا «الأمانة الكبرى». لقد ابتُلوا بالضراء فصبروا، لكنهم عند ابتلاء الحكم لم يصبروا. وشاهدنا كائنات عجيبة تحمل اسم «الدعاة»، والدعوة منها براء. خاضوا فى الأعراض وأهانوا واستهانوا وضلوا وأضلوا.
مازلت مصراً على رأيى حتى تظهر لى أدلة موضوعية تجعلنى أغير رأيى. كانوا أصحاب نية حسنة وقدرات ضعيفة. ليسوا فاسدين ولا لصوص أوطان ولكنهم لو استمروا لتحزب العالم ضدنا ولأصبحنا دولة منبوذة.
والآن بعد أن زال حكمهم هل سنسمح للاستقطاب بأن يدمر مجتمعنا؟ هل سنظل نهاجم الإخوان ويهاجموننا! ونكرههم ويكرهوننا؟
صار مجتمعنا ذا قطبين للأسف الشديد، قطب يكره الإسلاميين وقطب يعتقد بمظلوميتهم. فهل يمكن أن يستمر مجتمع بهذه الازدواجية القطبية؟.
إننى استحلف ضمائركم: هل يمكن أن يظل مجتمعنا متماسكاً وفى داخله هذه القطبية المقيتة؟