هل يمكن أن تتوقفوا قليلا عن الانشغال بالإعلان الدستورى؟
هل ممكن نسكت خالص عن تشكيل الحكومة فيطلع زى ما يطلع، فرقت مين عن مين عن إيه؟
هذه كلها أمور ستنتهى خلال شهرين (حيث يظهر دستور جديد) وأربعة أشهر (حيث انتخابات البرلمان).
تضييع الوقت فى الفوارغ والصغائر لا ضرورة له.
المعركة الحقيقية الآن هى انتخابات البرلمان، هل استعدَّت القوى السياسية؟ هل تجهزت جبهة الإنقاذ؟ هل اشتغلت التيارات المدنية والشعبية وانشغلت بالانتخابات؟
إن الأمر يستحقّ حركة من الآن على الأرض وليس تكالبا على برامج التليفزيون وإصدار البيانات.
الأمر كله كذلك يخصّ شبابا يحب أن يقول عن نفسه إنه شباب الثورة، سواء موجة يناير أو فيضان يونيو، هل يمكن أن يكفّ عن الدوران حول نفسه فى قضايا تستنزف قدراته وتصفّى وجوده عبر الإلحاح التليفزيونى والإعلامى وينسى ساحة النضال الحقيقية وهى الشارع للفوز بالانتخابات القادمة، هل يمكن أن يتحول الإخوة الثوار إلى سياسيين أخيرا أم سيلفّون حول أنفسهم مشنقة الإعلام والثرثرة على «تويتر» ودلْق الحكمة على صفحات «الفيس» وفقط؟
الثورة شىء والسياسة شىء آخر، الأولى تحلم والثانية تتعامل مع واقع، الأولى تحلّق والثانية تمشى على الأرض، الأولى تنطلق من قيم والثانية تنطلق من مصالح.
إن الانتخابات هى أكثر وسائل السياسة واقعية وعملية ومناورة ومراوغة ولفًّا ودورانًا، وانتهازية إن لزم الأمر، وحتى الآن لم نشهد أى انتخابات على كوكب الأرض تتم إدارتها بأخلاقيات ملائكة فى سماء الكوكب.
جمهور الثائرين غير جمهور الناخبين، الأول غاضب والثانى شاكك. جمهور الثورة يشارك معك، جمهور الانتخابات يحكم عليك، جمهور الثورة يريد أن يسمعك، أما جمهور الانتخابات فيطالب بأن تستمع إليه. جمهور الثورة يمشى وراء الأهداف، جمهور الانتخابات يمشى وراء الوعود!
الثوار غالبا يفشلون فى الانتخابات، لأنهم يتخيلون أن الثورة لا تحتاج إلى تصويت ولا يمكن أن تلجأ إلى تنازلات، وأن مناقشة جدوى وأهداف ونجاح الثورة عدوان عليها، ولهذا لم نعرف ثوارا ذهبوا يوما إلى صناديق الانتخابات، بل هناك عداء جيناتى بين الثورة -فى مراحلها الأولى على الأقل- والانتخابات، والنموذج الأوضح لنا هو ما جرى فى ثورة 1919، فقد عارض سعد زغلول تحويل «الوفد» إلى حزب، ثم عارض صياغة دستور 1923، ثم عارض دخول الانتخابات، وتصرف فى كل هذا كثائر، لكنه حين تحدد موعد الانتخابات دخل كحزب وكسب كمرشح وكان ذلك بعد مرور نحو خمس سنوات من الثورة!
إن الثورة زيت، والسياسة (وفى قلبها الانتخابات) ماء، من هنا تبدو أهمية أن يدرك المؤمنون بثورتَى يناير ويونيو أنهم ملزَمون باستخدام أدوات السياسة والانتخابات للدفاع عن قيم وأهداف ثورتهم، وإلا خسروا الثورة.. وطبعا سيخسرون السياسة.