ما إن أطلق الرئيس السابق محمد مرسى أول إشارة إلى تنظيمه وتنظيمات أخرى مرتبطة به للجوء إلى العنف مساء 2 يوليو الجارى فى كلمته التى حملت معنى أن كرسى الرئاسة دونه دماء ورقاب، حتى بدأت الاستجابة فورية عبر تحرك الجماعات الإرهابية فى شمال سيناء ضد مواقع شرطية وعسكرية ومنشآت عامة.
وثبت، عندئذ، أن ما حدث فى سيناء من قتل لجنود مصريين وخطف آخرين واعتداء على مواطنين ومنشآت عسكرية وشرطية واقتصادية لم يكن بسبب فشل فى مواجهة جماعات الإرهاب التى تنامت خلال العام الأخير، بل كان نتيجة تواطؤ جماعة الرئيس السابق وإحباطها الخطط التى وضعتها القوات المسلحة والشرطة لحماية الأمن القومى لمصر وأمان شعبها.
وكان هذا هو ما كتبتُه هنا، وعبرتُ عنه فى حوارات عدة، تحليلاً لطريقة تعامل رئيس الجمهورية السابق مع عملية خطف سبعة جنود من أبنائنا فى سيناء فى أبريل الماضى.
فقد بدا واضحاً أن السلطة السابقة تحرص على أن تبقى جماعات الإرهاب المرتبط معظمها بتنظيم «القاعدة» رصيداً احتياطياً لها يمكن أن تستخدمه فى حالة الضرورة. لم يكن متصوراً وقتها أن الثورة قريبة وقادرة على تغيير هذه السلطة.
كنا نعتقد أن الإصرار على الاحتكار والهيمنة والفشل فى حل مشاكل الناس وتفاقم معاناتهم سيؤدى إلى انتفاضة متوسطة، وأن سلطة «الإخوان» السابقة ستلجأ إلى جماعات الإرهاب لمواجهتها حتى لا تتورط عناصرها فى ارتكاب مذابح على نطاق واسع حين ترفض الشرطة التنكيل بالمنتفضين.
ولكن مفاجأة 30 يونيو الكبرى التى حملت أكثر من 20 مليوناً من المصريين وفق أقل التقديرات إلى الشوارع شلت يد السلطة وعجَّلت بإخراج مرسى من المشهد السياسى، فأصبح دور جماعات الإرهاب هو التصعيد الفورى بسيناء فى بداية عملية بدت كما لو أنها حرب لإعادته إلى القصر.
ولم تكن مفاجأة، والحال هكذا، أن تعود هذه الجماعات إلى تفجير خط الغاز الممتد إلى الأردن للمرة الأولى منذ دخول مرسى القصر، بعد أن قامت بمهاجمته ما يقرب من 20 مرة منذ مارس 2011 حتى مايو 2012.
ومثلما كانت كلمة مرسى مساء 2 يوليو إشارة إلى جماعات المساندة الإرهابية فى سيناء، اعتقاداً فى أن تحركها سيفزع مؤسسات الدولة التى وقفت مع الشعب ضد سلطته، جاءت كلمة محمد بديع عصر يوم الجمعة الماضى (4 يوليو) فى اعتصام رابعة بشرق القاهرة توجيهاً لمجموعات العمليات العنيفة فى «الإخوان» وجماعات صغيرة متحالفة معها للتصعيد سعياً إلى خلق حالة من العنف فى عدد من المحافظات لترويع المصريين فى كل مكان، وإعطاء وسائل إعلام متواطئة مع «الإخوان» فرصة لرسم صورة مصنوعة توحى بأن مصر منقسمة وأنها تواجه خطر حرب أهلية لاستجلاب ضغط دولى على مؤسسات الدولة الوطنية لكى تتخلى عن مساندة شعبها الذى خرجت أغلبيته تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة.
وانطلقت مجموعات العنف بالفعل لأداء مهمتها بقسوة ووحشية لم تعرفهما مصر فى تاريخها الحديث. ولن ينسى المصريون مشهد إرهابيين تابعين لجماعة «الإخوان» وهم يلقون شابين صغيرين من بناية فى ميدان سيدى جابر ثم يجهز آخر يحمل علم «القاعدة» عليهما.
وحين أخفقت الهجمات التى حدثت فى محافظات عدة فى استدراج الجيش إلى اشتباك يمكن تسويقه دولياً لدعم الزعم الفارغ بأنه قام بانقلاب عسكرى، جرى الإعداد لما حدث عند مقر الحرس الجمهورى فجر الاثنين الماضى فى مدينة نصر ليصبح المشهد متكاملاً من شمال سيناء إلى شرق القاهرة: مشهد الإرهاب الذى يتعرض له المصريون ومؤسسات الدولة الوطنية بشكل منتظم ومنهجى لإرغامهم على التخلى عن آمالهم التى استعادوها منذ 30 يونيو الماضى من ناحية، واستحضار التدخل الأجنبى بدعوى أن إعادة مرسى إلى القصر هى السبيل إلى استقرار مصر من ناحية أخرى!