يحلو للإخوان وللمتأخونين والخلايا الإخوانية الناعسة الموجودة فى عالم السياسة والصحافة أن تبتز الشعب المصرى وتدّعِى أن ما جرى بعد ثلاثين يونيو انقلاب عسكرى.
والحقيقة أن الوقوع تحت طائلة هذا الابتزاز سذاجة وهشاشة، خصوصا أن هؤلاء الإخوان بمنافقيهم ومتأخونيهم من فحول الفاشية والكَتَبَة الذين يولْوِلُون على إسقاط الشعب لمرسى، هم أنفسهم مَن خدم المعزول، الذين لم يتركوا سطرًا إلا دافعوا عن جنون سلطته فيه، رغم ادِّعائهم البارد بالحياد.
لا يوجد سياسى منتمٍ إلى التيار المتأسلم إلا وينعِق بأن ما جرى انقلاب.
طبعًا من حق المجروحين أن يئنُّوا، ومن حق المكلومين أن يتشكَّوا، ومن حق الكارهين أن يشككوا.. لا بأس.
الشىء المهم هنا أنه لا يوجد انقلاب فى الدنيا يسمح لآخرين فى الصحف والإعلام بأن يصفوه بأنه انقلاب. لكن الحرية الحقة لغربان الجماعة التَّعِسة لعلها تشير إلى أن كتالوج التعريفات الذى يحتفظ به المتأخونون ومدَّعو الاعتدال لا يسع كل شىء.
دعنا أولا نقُل إن الانقلاب، أى انقلاب، قد لا يكون شرًّا مطلقا فى ذاته، والثورة، أى ثورة، قد لا تكون خيرًا فى ذاتها.
مثلا انقلاب ٢٣ يوليو -وآسف لأننى أجرح المتأخونين بذِكْر ما يَرْمِى مِلْحًا على جُرحهم- كان انقلابًا رائعًا فى مواجهة ملكية فاسدة، واستطاع الانقلاب أن ينقل البلاد إلى جمهورية أحدثت ما أحدثت!
بل لعلنا نقول إن انقلاب أحمد عرابى على الخديو توفيق، وهو أول انقلاب يطلق عليه المؤرخون المصريون تعبير «ثورة»، هو انقلاب كريم عظيم -رغم فشله- فى مواجهة طغيان استعبادى استبعادى.
والمتأمل فى مسار التاريخ يكتشف أنه لو جرى انقلاب ضد هتلر فى ألمانيا النازية لكان قد أنقذ العالم من البلاء والكارثة.
ليتهم انقلبوا على هتلر.
ليتهم انقلبوا على صدام حسين.
ليس كل انقلاب إذن كارثة على وطنه، وليست كل ثورة خيرًا على بلدها.
الأمور يتم تعريفها بتفاعلها وسياقها وفاعليتها ونتائجها.
مرة أخرى، عذرًا للذى يلوى ذراع الحقيقة، فيقول بمنتهى الصفاقة العجوز إن «٢٥يناير» كانت ثورة لأن الإسلاميين شاركوا فيها، فكان إجماعًا من كل التيارات، وإن «تلاتين يونيو» ليست ثورة، لأن الإسلاميين كانوا وحدهم فى ميدان والآخرين فى ميدان آخر.
أولًا: المساواة بين حجم وقوة واتساع وتأثير كل شرائح الشعب، والإسلاميين، هى خَرَف شيخوخة فكرية، يعانى منه الآن فريق من كَتَبَة الإسلاميين نتيجة الضغط العاطفى والصدمة الشعورية التى أفلتت القدرة على التحكم.
ثانيًا: فى «٢٥يناير» كان هناك قطاع من المصريين لم يشارك فى الثورة مثلا، وهم أهل الصعيد، حيث لم تخرج مظاهرة واحدة، ثم هناك أنصار الحزب الحاكم وقتها (وقد شاركوا فى «تلاتين يونيو»)، ثم هناك حزب الكنبة أو الأغلبية الصامتة، التى لم تشارك فى يناير، وشاركت بانخراط حقيقى فى «تلاتين يونيو»، إلا إذا كان خَرَف الإخوان سيصل إلى استبعاد مصريتهم وحقهم فى تقرير مصير ومسار بلدهم، ومن ثم لم يكن الكل جغرافيًّا وسياسيًّا مشاركًا فى يناير. أما فى يونيو فالجغرافيا أشمل وأوسع، والأعداد أضعاف مضاعفة، والتعددية السياسية كاسحة جامعة ما عدا فصيل الحزب الحاكم الذى ننظر إليه باعتباره الحزب الحاكم، وليس باعتباره تيار الإسلاميين.
هل تريد يا أخ منك له أن يشارك فصيل الحزب الحاكم فى ثورة ضده؟!
إذا لم تكن هذه من علامات خرف الشيخوخة السياسى، فأيّها تكون؟!
ثالثًا: ما قامت به القوات المسلحة فى «تلاتين يونيو» كان انتصارا لإرادة الشعب، كما جرى فى يناير، وكان استجابة وتلبية من جيش الشعب لشعبه، لا انقلابًا على الشرعية، فلا شرعية لرئيس كذاب ينشر الفوضى والفتنة ويعمل مجنَّدًا مطيعًا لجماعة غير مصرية، خالف كل وعد وحنث بكل يمين، وقسَّم وخان الأمانة وأراق الدم.
بل وقد فاز بالرئاسة فى انتخابات ملوثة بالتهديد والترويع والتجاوزات والمخالفات والتزوير، بل وشابها التدليس ولا وزن هنا لتطبيل المتأخونين للنتيجة، فهى مطعون فيها ومُطرمَخ عليها تمامًا.
خلاصة هذا الكلام ده كله إيه؟
أنها ثورة رغمًا عن أنف «رابعة العدوية» فى نصف حياتها الأول.
وأنها لو حتى كانت انقلابًا، فهو انقلاب بأمر الشعب، انقلاب عاجب مصر كلها، فى ما عدا فلول الإخوان، الحزانى أكثر من الإخوان أنفسهم.
شفى الله الجميع.