وتتوالى علينا النوائب، فبعد نازلة حزب النور، خرجت عناصر الإخوان بتفريعاتها، أى «حازمون» والسلفيين والجهاديين، على الناس بالسلاح. جاس الإسلاميون خلال الديار يطلقون الرصاص على الناس فى ميدان عبد المنعم رياض، ثم يطلقون الرصاص على الناس على كوبرى أكتوبر، ولولا ثلة مدرَّبة فى مواجهات محمد محمود، لقُتل كل من كان فى المنطقة، وما إن بدأ الشباب الأعزل فى هزيمة الإخوان المسلحين حتى وصلت قوات الجيش لحماية مبنى ماسبيرو! بينما هرب الإسلاميون إلى المنيل، وأعملوا القتل فى الناس، وكانوا قبل ذلك بيومين قد أعملوا القتل فى أهالى بين السرايات الذين واجهوهم بصدور عارية، وكانوا قبلها قد قتلوا ثمانية من أهالى المقطم فى أثناء محاولة اقتحام الأهالى مقر جماعة الإخوان المسلمين، وهنا علينا أن نذكر الحزب الوطنى بالرحمة والاستغفار، فقد اقتحم الشعب مقراته دون أن يطلق أعضاؤه طلقة واحدة على الناس، وكانوا قبل وفى أثناء ذلك يعيثون فى المحافظات، بخاصة الصعيد، وقتلوا العشرات فى يومين. ثم خرج الإسلاميون فى الإسكندرية، وقتلوا شعبًا، وأطفالًا، ولم يجدوا من يتصدى لهم، بينما يقبض الأهالى على الإسلاميين المسلحين، ويسلمونهم للشرطة، ويخرج بيان الشرطة بتأكيد أن المقبوض عليهم من أحزاب إسلامية، كل ذلك ولا أحد يتحرك لحماية المواطنين، ويكيدون المواطنين ويقولون: «لا للإقصاء». والإخوان يقترفون الجرائم الصارخة، ويكذبون كذبا طفوليًّا قائلين إن «فيه ناس لابسة إخوان وبتضرب نار»! همممم.. وهل فيه ناس لابسة صفوت حجازى هددت برش المواطنين بالدم؟ وهل فيه ناس لابسة عصام العريان هددت الجيش المصرى بمصير الجيش السورى؟ وهل فيه ناس لابسة البلتاجى هددت بحرب أهلية وقالت إننا إن كنا نرغب فى توقف الإرهاب فى سيناء فعلينا إعادة مرسى لكرسى الحكم؟ وهل فيه ناس لابسة عاصم عبد الماجد قالت سنشعلها ثورة إسلامية تأكل الأخضر واليابس؟ وهل فيه ناس لابسة بديع أعلنت الجهاد وطلبت من شباب الإخوان المبايعة على الشهادة؟ وهل فيه ناس لابسة المغير كتبت على صفحتها: ستكون أول حرب أهلية فى تاريخ مصر؟
وبما إن الجماعة وأذنابها لم تجد أحدا يتصدى لها، فقد أخذتها الجلالة وقررت الهجوم على الحرس الجمهورى لأن مرسى بداخله، هنا، وهنا فقط، أجريت على رقاب أعضاء الجماعة مذبحة قتلت عددا مهولا، وغير مبرر، وغير مفهوم، من الناس. كانت هناك بالفعل تسجيلات وصور لبعض من المعتصمين أمام الحرس الجمهورى يحملون السلاح، لكن السلاح كان فى أيدى قلة من بين المعتصمين كما يبدو فى التسجيلات التى عرضتها القوات المسلحة، وهو سلاح غير متطور، ولا يمكن وصفه بهجوم إرهابى، قد تستطيع وصفه بهجوم بلطجى، قد ينتج عنه قتل ربع هذا العدد. وعدنا لثقافة المنشَآت. هكذا الرسالة: اقتلوا الناس فى الطرق والشوارع كما شئتم، لكن إياكم والمنشأة! وأعود لأسترجع وعود القوات المسلحة: «لو المواطنين المصريين حاسِّين بالرعب والترويع إحنا أحسن لنا نموت»، وبناء على هذا الوعد العاطفى قرر ملايين ممن لم ينزلوا مظاهرة ولا حتى احتفالًا بمباراة من قبل، النزول «فى حِمَى الجيش»، آمنين مطمئنين بأن القوات المسلحة تقوم بحمايتهم، نزلوا يوما ويومين وثلاثة، حتى فوجئوا بأن الإسلاميين يقتلون الناس فى الشارع دون حراك من قوات الأمن أو الجيش، الأدهى أن القوات لم تتحرك بعنف مفرط إلا دفاعا عن حجر.
تأثر العالم إزاء المشهد الدامى أمام الحرس الجمهورى، ذلك لأن الجهتين اهتمَّتا بتصويره، لتنقل كل جهة وجهة نظرها للولايات المتحدة: جماعة الإخوان تريد تأكيد أنها تواجه انقلابا، والجيش يريد تأكيد إنه لم ينقلب وإنما كان يحمى منشآته فى مواجهة إرهابيين. ومَن لمن قُتلوا فى محافظات الصعيد؟ ومَن لمن قُتلوا فى سيناء وبين السرايات والمنيل والإسكندرية؟ لم يهتمّ أحد بتصويرهم سوى بعض سكان المناطق، أما الصعيد فقد دفنوا شهدائهم دون أن يهتمّ الإعلام حتى بنشر أسمائهم، ولم نعلم إن كان قد تم التحقيق فى مقتل العشرات الذين ذهبوا سدى فى الصعيد، ذلك لأن كل من ماتوا ما هم إلا «حيالله» مواطنون، ليسوا منشآت عسكرية، كما أنهم لا ينتمون إلى جماعة الإخوان أصحاب الدم الأزرق المقدس الذى لا يمكن أن يتساوى ببقية المواطنين، لدرجة أن الجماعة تكذب وتقول إن هذه الجريمة لم تحدث فى تاريخ العسكرية! متناسية ماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود وغيرها من المذابح وقت أن كانت الجماعة تبرِّر القتل دفاعا عن المنشأة فى بياناتها. هى لا تعتبر أن من ماتوا فى هذه المذابح يمكن أن يتساووا بمن مات أمام الحرس الجمهورى!
الدم كله حرام... بس حلال فى مصر.