ما إن صدر الإعلان الدستورى الذى نُص عليه فى خريطة المستقبل التى أعلنتها القوات المسلحة حتى هاجت وماجت كل القوى السياسية، متعاملة مع الإعلان الذى لن يتخطى عمره الافتراضى أكثر من 5 أشهر بالتحديد، ليكون عندنا بعدها دستور دائم قد لا يتفق فى الكثير أو القليل، مع ما جاء فى هذا الإعلان.
وقد كان الإخوان أول المعترضين، الذين رفضوا الإعلان الدستورى برمته، باعتباره صادراً - على حد قولهم - من رئيس «غير شرعى» (!!!)، وكان أكثر المعترضين إيجابية الدكتور محمد البرادعى وحركة «تمرد»، اللذين أجريا التعديلات الواجبة على الإعلان، ليقوما بتسليمها إلى الرئيس الذى أصدره.
ولاشك أن الإعلان الدستورى ملىء بالأخطاء، وأولها إقحامه المادة الخاصة بالشريعة، التى لم يكن هناك لزوم للنص عليها بنفس الصيغة التى وردت بها فى الدستور الساقط، ذلك أنها مادة خلافية لم يكن للإعلان أن يحسمها، وإنما كان يجب أن تترك للجنة الدستور التى ستتشكل، بعد أيام، وبالتحديد يوم 24 من الشهر الحالى، حسب نص الإعلان.
وقد جاء النص على هذه المادة بدافع إرضاء الاتجاه السلفى، وهو ما يذكرنا بالخطأ الأكبر للمجلس العسكرى، خلال الفترة الانتقالية، حين عمد إلى إرضاء الإخوان على حساب القوى الوطنية، متبعاً نصيحة بعض المستشارين الدستوريين، ذوى الانتماءات الإخوانية، وهو ما أدى لإفساد المرحلة الانتقالية وإيصالنا لما نحن فيه الآن.
ولقد كنت أتوقع أن تترك هذه المادة للبحث داخل لجنة الدستور كما تركت مثلا المادة الخاصة بعدم إقامة أحزاب على أساس دينى، والتى لم يرد ذكرها على الإطلاق فى الإعلان الدستورى، فلماذا الإصرار على مادة الشريعة بتلك الصيغة غير المتفق عليها؟ إن لجنة الدستور بالتأكيد ستحتفظ بالنص على الشريعة كمصدر رئيسى للتشريع، لكن ليس بهذه الصيغة التى لن تحقق التوافق المطلوب.
ومع ذلك أقول إنه لا ينبغى أن يغيب عنا أن إصدار الإعلان الدستورى هو إنجاز فى حد ذاته، ولا يجب أن نستنفد طاقتنا فى شن الحرب على بعض مواده التى ستسقط برمتها بمجرد إعلان الدستور الجديد، إن معركتنا الحقيقية ستكون داخل قاعة لجنة الدستور، وأخشى ما أخشاه هو أن نتخانق، ونضرب بعضنا البعض ونحن مازلنا على الباب، بما يحول دون دخولنا القاعة.