«ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل- 125)، فليخرج الإمام الأكبر الطيب أحمد الطيب من داره التى اعتكف (فى جرنة الأقصر)، وليؤذن فى الناس أن ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان، وليبدد الظلمة بنور كتاب الله الذى يحفظ، وليرأب الصدع الوطنى الذى صار شرخا، ويلم الشمل الذى تشتت، ويجسر الهوة التى استحالت برزخا عميقا بين جبلين من الكراهية والثأرية والانتقام. ما هذا وقت الاعتكاف يا مولانا، طبب الجروح التى تنزف ألماً يا طيب، ربت على الظهور التى انحنت حزنا يا طيب، المصريون يتوقون لطلة رمضانية من فضيلتكم من فوق منبر الأزهر الشريف، خطبة جمعة تبدد الظلمة، فضيلتكم مصباح منير فى ليل مصر البهيم، نهر عذب يغسل الأحزان التى أغرقت الأرض الطيبة فصارت صعيداً زلقاً، ويبلسم الجروح التى تقيحت، وتقرح الجسد من فراش الشوك الذى نتوسده غصباً، جمعة مباركة نفرح فيها بوحدتنا، ننبذ فيها فُرْقتنا، فى شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
أرنا يا مولانا رمضان لم يُرَ البر (بر مصر) مثله، لم تر كنانة الله أجمل منه، رمضان مصرى وطنى خالص يرد على القرضاويين الظلاميين، الذين أحالوا نور ثورتها ظلاماً حالكاً يعمهون- هم- فيه ومن والاهم والتابعون، شهر يلهج بالحمد والشكر، شهر البركات الطيبات، نفحات تغبط النفوس الحزينة، تجبر القلوب الكسيرة، ويطلع عليهم يوم عيد، وينصرف المسلمون بسلام فرحين مبتهجين فى مصر وطناً إلى يوم الدين.
كلنا فى الهمّ إخوان، لسنا إخوانا مسلمين، كلنا فى الألم مصريون، كلنا محزونون على نزف دم شباب الوطن، لست وحدك فضيلة الإمام حزيناً، الكل اليوم حزين، نشاطركم الأحزان، فلتخرج من دارك، وخذ الكتاب بقوة، كتاب المصالحة الوطنية، اجعل عيد الفطر عيدين، فلتحوّل عزاءاتنا إلى أعياد، لا تصم أذنيك عن دعوات الإخوان الطيبين الذين علَّمهم رسولهم الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، حسن الجدال، وجادلهم بالتى هى أحسن، لتنصت لغضبهم، ولتقف على ألمهم، ولتطبب جرحهم، ولتبلسم نزفهم، لا تتركهم لحالهم ينفجرون، يتطايرون أشلاء فى وجوهنا، اذهب إليهم، أطعمهم فى هذا الشهر الكريم من جوع، وآمنهم من خوف ولا تعد عيناك عنهم، أنت رسولنا الطيب إليهم.
فليخرج مولانا من داره ليزيد مقداره، كفى تغيباً اعتكافياً، الاعتكاف ليس كافياً لحلحلة مشاكل الوطن، أن اخرج من دارك، قف إلى جوار مفتى الجمهورية، تلقيا العزاء فى شباب رابعة والمنيل وبين السرايات، كف عزاء فى إخوة الدم والوطن، عزاء من محبين لا مرائين، قف أمام شعب مصر، مكفكفاً دمعه، مبلسماً جراحه، شافياً نفسه من البغضاء، ممسكاً بيد الصالحين منهم والسلفيين، داعياً الله أن يرحم مصر وأهلها.
يا مولانا الطيب كفى صبراً على نعيق البوم، فلنهشَّ البوم عن أغصان الوطن، فلتحط حمامات السلام على الغصن الأخضر، هديل الحمام، هديل السلام، قرآن المغرب، مدفع الإفطار، اللهم لك صمت، صلاة القيام أثابكم الله، وسحور طيب، أذان الفجر، تجلّى تواشيح فاتحة النهار، فرحة الأطفال، أطفال رمضان يلهون فى الحوش الكبير، حوش الوطن، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون طالما هناك بيوت يُذكر فيها اسمه، اسم الله، الله محبة.. الخير محبة.. النور محبة، يا رب لا عمر كاس الفراق المر يسقينا، ولا يعرف الحزن مطرحنا ولا يجينا، وغير شموع الفرح ما تشوف ليالينا، ليالى رمضان تنقص كثيرا بغيابك يا مولانا الطيب.