يذكر من يذكر، أننى طلبت من زملاء الميادين الذين أبدوا تخوفاتهم يوم 28 يونيو من احتواء ثورتهم واستعادة النظام القديم، بأن ينحوا المخاوف جانبا متعللة بأن لحظات الفرح المقتنصة هى التى ربحناها فى هذا المشوار الذى يبدو طويلا ولا ينتهى، ولا يعقل أن يظل إنسانا يطحن النكد ويجرشه بشكل مستمر، فعليه أن يأخذ استراحة محارب، يفرح فيها بإنجازه وتقدمه لمستوى أعلى فى المواجهات، لا أن يحمل هم المواجهات قبل بدئها.
أما وقد عملت أنا شخصيا بهذه النصيحة، وفرحت، ورقصت، ونزلت الشوارع بعلم مصر وسط أهلى وناسى أغنى لمصر، فقد شحنت نفسى جيدا، وجددت طاقتى، وقد حان وقت النكد. آن لنا أن نفيق من سكرة الفرح، ونواجه المتاعب مرة أخرى.
بدأت المتاعب منذ اليوم الأول، بضم حزب النور للعملية السياسية عقب عزل القائم بأعمال مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين فى قصر رئاسة جمهورية مصر العربية، محمد مرسى الشهير بـ«رتل بنزيم»، ولم أفهم سر وجود حزب النور والإصرار على إبرازه، على الرغم من أن قيادات حزب النور، وعلى رأسها البرهامى، وقبل تشكيل الحزب، رفضت الخروج على الحاكم مبارك. بل أذكركم بواقعة حدثت فى عهد المخلوع مبارك: حين قتلت الشرطة الشهيد السلفى سيد بلال تعذيبا عقب تفجيرات كنيسة القديسين، وقتها انفعلت القوى المدنية، الكافرة الشاذة المدمنة الماسونية المعفنيييييين، وقررت أن تدشن حملة شبيهة بالحملة التى دشنتها من أجل الشهيد خالد سعيد، وأن تبدأها بفاعليات متنوعة، كوقفات احتجاجية، ومؤتمرات يحضرها ذوو الشهيد للإدلاء بشهادتهم، وغير ذلك من الفاعليات التى تحيى قضية الشهيد سيد بلال فى الذاكرة، وتخلق رأيا عاما مطالبا بحقه، فما كان من الشيخ البرهامى إلا أن ناهض تماما أى فاعليات بشأن الشهيد، بل وحذر أهل سيد بلال من المشاركة، مدعيا أن أمن الدولة سوف ينكل بهم، وأمر أتباعه، الذين يسيرون خلفه مسحورين، بأ ن لا يشاركوا فى أى فاعلية، وخرجت تبريرات سلفية: لن نشارك فى وقفة من أجل سيد بلال لأن بعض المتبرجات سوف يشاركن فيها. على صعيد آخر، قرر هؤلاء الذين يخافون مشاركة المتبرجات وقفة لنصرة شهيد مسكين قتل ظلما، أن ينظموا عدة موقفات بعنوان «عايز أختى كاميليا»، بمباركة البرهامى، وسبحان الله يا أخى، لم يحذرهم من تنكيلات أمن الدولة إن شاركوا فى فاعلية كهذه. بعد ذلك، ندد ذات الكيان، بثورة 25 يناير، وحرموا الخروج على الحاكم، وبعد نجاح الثورة، عقد شيوخ السلفية مؤتمرا لمخاطبة شباب السلف الذى عض بنان الندم لعدم مشاركته فى هذه الثورة، مبررين فتواهم بأنهم حرموا التظاهر لأنهم ظنوا أنه لن ينجح، أما وقد نجح التظاهر فهو حلال! ثم أسست هذه المجموعة حزبا أسمته النور، كان الهدف منه هو «لم السلفيين كده فى أى كومة مع بعضيهم».
ظل حزب النور على مبدأ اتخاذ المواقف المخزية لا يحيد عنه، فقد أدان شهداء ماسبيرو، ورفض تسميتهم بالشهداء لأنهم «نصارى»، وادعى كذبا وزورا وبهتانا بأنهم ضربوا الجيش، وأدان شهداء محمد محمود وادعى بأنهم يفسدون عرس الديمقراطية، وخاض فى ست البنات وتساءل: إيه اللى وداها هناك، ووقف يدافع عن هيبة الداخلية ويدعى بإنه «مافيش خرطوش» فى أحداث شارع منصور، ورفض إطلاق كلمة «شهداء» على ضحايا بورسعيد من أولتراس أهلاوى، لأنهم قابلوا ربهم وهم يشجعون الكرة، وحين نزلنا للدفاع عن جزء من السلفيين فى العباسية، تخلوا عنا جميعا، إخوانا وسلف، وأبو إسماعيل الذى قال إنه لا يعرف شيئا عنا، وكان حزب النور وجماعة الإخوان كالتوأم الملتصق، بل إن الناس انتخبت الإخوان تخوفا من «النور»، وكلما أراد الإخوان إخافتنا ألقوا بورقة حزب النور: حتسكتوا ولا نمشى ونجيب لكوا دول؟ وأخيرا، حين انتفض الشعب ضد حكم الجماعة، نظر حزب النور إلى السقف وأخذ يصفر بأغنية: وأنا مالى هه! ادعت القيادات بأنها لن تشارك الجماعة حشدها، بينما حشدت كل قواعدها لمساندة الإخوان، وجلست مع الثوار للتفاوض! ثم حدثت مجزرة الحرس الجمهورى -وهذا نكد آخر سنتحدث عنه لاحقا- فقال نادر بكار إنه سينسحب من العملية السياسية احتجاجا على قتل عناصر الإخوان! يعنى مايشبهوش بتوع ماسبيرو يا حاج بكار الذين اتهمتهم زورا بأنهم هاجموا الجيش؟ لم تتنح من الانتخابات عقب مذبحة محمد محمود يعنى.. وعلى كل حال، فقد سرنى جدا انسحاب «النور» من العملية السياسية، بصرف النظر عن الأسباب... بركة. لكن الولايات المتحدة الأمريكية أصرت على عودة حزب النور للعملية السياسية ليعطل المراكب السائرة.. فعاد.