صفق الزملاء الصحفيون والإعلاميون ابتهاجًا بطرد مندوب قناة «الجزيرة» من الاجتماع الذى دعت إليه وزارة الدفاع لشرح الموقف حول تداعيات ما حدث أمام مبنى الحرس الجمهورى، وراح ضحيته 54 مواطنًا مصريًّا، منع «الجزيرة» صار انتصارًا لهم ضد قناة تقدم وجهًا واحدًا فقط للحقيقة من «رابعة العدوية».. نعم انحياز «الجزيرة» لرابعة واضح حتى لو كانت على استحياء بين الحين والآخر تقدم الصوت الآخر، إلا أن الإقصاء لا يليق برجال الإعلام.
يجب أن ندافع عن الحق فى الحصول على المعلومة، حتى لا نصبح نحن القاضى والجلاد، أختلف سياسيًّا مع ما ذهبت إليه قناة «الجزيرة» ورؤيتها السياسية تجاه ما حدث فى 30 يونيو، فهى ثورة شعبية نموذجية أسقطت حكمًا كبس على أنفاسنا عامًا كاملًا، كان أنصاره يريدوه أن يمتد ليس فقط ثلاث سنوات، لكن تضيف إليها مدة ثانية ليصبح الكابوس ممتدًا سبع سنوات قادمة، الثورة الشعبية وضعت خط النهاية، فصيل الإخوان يمثل أقلية عددية ويعوض ذلك باللجوء إلى العنف باستخدام الأسلحة لخلق الفوضى، كل هذا نتابعه عن كثب، وهو ما لم تقترب منه قناة «الجزيرة» فى تغطيتها للأحداث إلا أن ترسيخ قاعدة المنع قد ندفع نحن أيضا فى سياق مختلف ثمنه ونشرب يومًا ما من نفس الكأس.
ألم يكن نظام مبارك طوال أيام الثورة يطارد عديدًا من الفضائيات، وكانت «الجزيرة» ينالها القسط الوافر من التضييق والمنع، هل تخشى القنوات التليفزيونية الخاصة على كثرتها والمليئة بالكوادر المدربة والنجوم اللامعة من الإعلاميين الذين يتمتعون بقدرة على الجذب لا تقارن بعدد من القنوات الدينية المحدودة التأثير مثل «الحافظ» و«الحكمة» و«مصر 25 يناير»، فلماذا هلل وبارك البعض منا بإغلاقها وتسويد شاشاتها وملاحقة من يعملون بها، كانت نقابة الصحفيين يقظة تمامًا عندما تصدى النقيب ضياء رشوان ومعه مجلس الإدارة ضد تسويد الشاشات، كما أنهم دافعوا أيضا عن حق إصدار جريدة «الحرية والعدالة» الناطقة بلسان حزب الإخوان، يجب أن نتسق فكريًّا مع أنفسنا، إذا كان معتصمو رابعة العدوية طردوا مذيعى التليفزيون المصرى من عربة الإذاعة الخارجية واتهموهم بالتضليل وهو ما حدث أيضا على الجانب الآخر مع ثوار التحرير، عندما طردوا كاميرات الجزيرة من الميدان، من الممكن أن أتفهم حدوث ذلك بين المجاميع الغاضبة، لكنى لا أقره عندما يصبح سلوكًا تفرزه جماعة الإعلاميين.
علينا أن نفضح تجاوزاتهم أمام الرأى العام، ونثق بأن المشاهد يستطيع أن يكشف ببساطة أنهم يتلاعبون بالحقيقة.
الإعلام المحايد انتهى تمامًا منذ 25 يناير، صار مقدمو البرامج حتى المبتدئون منهم أصحاب رأى يقدمونه للمشاهد.. أغلب المذيعين يضعون أمامهم قالب واحد فقط وهو «المونولوج» يبدأ برأيه فى الأحداث الجارية، وقد نرى بجواره ضيفًا أو اثنين لا يهم أن يشركهما فى الحديث، فهو يريد أولا أن يحكى ويحكى ويحكى، وبعد ذلك يتقاسم معهما ما تبقى من وقت.
المعلومة اختلطت بالرأى، وصار من المهم أن يعود مرة أخرى إعلامنا إلى المعلومة المجردة، وهو ما فعلته وزارة الدفاع فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته قبل يومين، وقدمت ما لديها من وثائق مصورة لنرى حقيقة ما جرى أمام الحرس الجمهورى، شاهدنا فى الأشرطة المصورة عددا من المارقين الذين اعتلوا أسطح العمارات ورشقوا البنايات العسكرية بالحجارة والمولوتوف وبعضهم كان يطلق ذخيرة حية، فأصبحت القوات المسلحة فى حالة دفاع مشروع عن نفسها وكبريائها، إلا أن الحقيقة ليست فقط هى ما يذكرها الجيش، الحقيقة هى ما ينتهى إليه القضاء، وهكذا جاء قرار رئيس الجمهورية المؤقت بسرعة إنجاز التحقيقات، وجاء بيان شيخ الأزهر، وهو يحمل أيضا نفس الرغبة، بل إن الشيخ قرر الاعتكاف احتجاجًا على إراقة الدماء المصرية التى كانت وستظل هى الغالية والمحرمة أبدا.
ما نشاهده على أرض الواقع وما نقتنع به باعتباره الحقيقة لا يعنى أننا فقط نملك الحقيقة، ولا يصح أيضًا أن تغلق مصر الأبواب أو أن نهلل لمصادرة جريدة أو قناة لقد فعلها الزميل أسامة هيكل عندما كان وزيرًا للإعلام وأغلق قناة «الجزيرة» مباشر، لأن الدولة والتى كان يقودها المجلس العسكرى غير راضية عنها، وتصدى عديد من الزملاء لهذا القرار، واعتبروه امتدادًا لزمن مبارك الذى كان يسعى لإغلاق أى نافذة تعارضه، المصادرة والمنع أسلحة لا يجوز استخدامها ناهيك عن التهليل لها!