شعقلاب
تقدم أحدهم للزواج من فتاة، قال لها: أريد الزواج منك حلالا على سنة الله ورسوله، لكنك إن رفضت فسوف أشوِّه وجهك بماء النار، فلا تكونين لى أو لغيرى.
ترى أينبغى على الفتاة أن تقبل؟ هل يؤتمن مثل ذلك «العريس» على حياتها وأمانها وأطفالها المستقبلين؟
تلك حالة لن تجدها فقط فى صفحات الحوادث، يمكن أن تقول إنها تمثل ما يسمى «السيناريو الجزائرى»، والذى يستخدم إرهاب السنوات العشر فى الجزائر، الذى نتج عن وقف الجيش للانتخابات، كدليل على أن تلك الفتاة، كان ينبغى لها أن تقبل بعرض الزواج، فأن تحيا -تموت بالبطىء- فى ظله، خير لها من انتقامه المروع.
غير أنه حتى على عكس الجزائر التى كان إسلاميوها يكتسحون الانتخابات، فقد تم عزل مرسى فى أثناء رفض شعبى هائل تم سد كل السبل أمامه، فالطرق الدستورية مغلقة، والمحكمة الدستورية تم تفصيل مواد على مقاس استبعاد رموزها، والقضاة ينتظرون مقصلة قانون السلطة القضائية، والنائب العام خاص وملاكى، وساحات التظاهر تسبقك إليها جماهير «الشرعية» على نمط الأنظمة الشمولية ومظاهرات تأييد القذافى والأسد وصدام حسين، وليس أمامك سوى أن تنتظر انتخابات تجرى فى قبضة حكومة الإخوان ومحافظى الإخوان و«قضاة من أجل الإخوان»، فى ظل دستور بلغ من انحطاط صياغته أن الرئيس الباكستانى نفسه وعد شعبه بأن لا يتم كتابة الدستور على «الطريقة المصرية»، وفى ظل كل ذلك يُراد تهديدنا بالسيناريو الجزائرى.
حسنا، إن السيناريو الجزائرى فى حقيقته هو أن الجزائر لم تتحول –فى النهاية- إلى إيران أو أفغانستان، لا توجد فى شوارعها هيئة نهى عن المنكر، لا تطير رؤوس الناس بالمحاكمات الشرعية، لا أحد يمنع المرأة من قيادة السيارة أو يجبرها على الحجاب، السيناريو الجزائرى فى حقيقة الأمر يقول إن من يقرر ذبح مئة ألف إنسان تحت أى تبرير لا ينبغى أبدا أن يوضع فى الحكم. لقد سجن مبارك معارضيه، من أيمن نور وسعد الدين إبراهيم إلى كمال خليل وحمدين صباحى، لم يحمل أنصار هؤلاء السلاح ولو حملوه لصاروا إرهابيين، لا عذر لهم، لكن العذر تلو الآخر يتم منحه للإسلام السياسى، مهما ذبح وقتل وهدد.
إن المغزى الجوهرى، سواء تحدثنا عن ثورة أو ديمقراطية، هو أن تأتى بأنظمة أفضل، بالمعيار الحقوقى، لا أسوأ، ومن المذهل أنه حتى الأنظمة «العسكرية» السابقة، لم تجرؤ على أن تجعل «محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى» مادة دستورية، لم نر ذلك سوى مع النظام «الديمقراطى».
تلك «الورطة» نتجت عن تبنى ديمقراطيين لمفهوم «المدنية» كما روجه الإسلام السياسى، حيث الدولة المدنية هى تلك التى لا يحكمها عسكريون، وتبنّى علمانيون ذلك المفهوم التبسيطى المخل البائس، وصاروا يتحدثون عن «تناقض المدنيين الذين يلجؤون إلى العسكر».
ذلك «التناقض» قد يكون مثارا للسخرية فى السويد أو بريطانيا أو أى دولة لم تعرف صناديق الانتخاب إلا بعد الفصل بين الدين والدولة. أما الدول ذات الدساتير الدينية، والتى تسمح لأحزاب ومنابر بتقسيم المواطنين دينيا ومذهبيا، فمن المضحك أن يكون تلخيصها لمفهوم المدنية ليس نابعا من «القيم المدنية»، وهى فى حدها الأدنى عدم التدخل فى الحياة الخاصة أو التمييز بين الناس على أساس الهوية، فإذا بهؤلاء يقصرون المفهوم على الكلية التى تخرج منها رئيس البلاد، فإن ذهب به تنسيق الثانوية إلى الكلية الحربية، إذن فنحن أمام نظام عسكرى، أما إذا كان الرئيس خريج الهندسة أو الحقوق، فهو «مدنى» ودولته «مدنية».
بهذا المفهوم، فإن نظام الخومينى وملالى طهران أكثر «مدنية» من نظام العسكرى الحبيب بورقيبة، ويكون الملا عمر والمهندس بن لادن أكثر «مدنية» من العسكرى عبد الناصر، ويكون تحالف القبلية والوهابية فى السعودية أو مجاهدو شباب الصومال أكثر «مدنية» من كمال أتاتورك.
ومن المفهوم أن ينزعج الغربى من أى تدخل للعسكر فى السياسة، ذلك لأنه يحيا فى ظل دساتير لا تتناقض مع العهود الدولية لحقوق الإنسان «لنتخيل رد فعل البريطانيين لو ألغى ديفيد كاميرون مواد المساواة بين الرجال والنساء»، أما شرق ما قبل الحداثة، ما قبل فصل الدين والدولة، فينبغى فيه على من يرفض أى تدخل للعسكر فى السياسة، أن يكون رفضه أشد وأقوى وأسبق أولوية فى مواجهة الفاشية الدينية، التى جربناها إرهابا فى المعارضة واستبدادا فى الحكم. أما من يرحبون بأهل القتل على الهوية ويطالبون باحتواء رماة الأطفال من السطوح ويعتبرون المحرضين الطائفيين فصيلا وطنيا، من يرتفع صوتهم عند إغلاق قنوات التحريض ويخفت عند ذبح الشيعة فى أبو النمرس وإحراق الأقباط فى الخصوص، فربما يريدون لذلك «الاحتواء» أن يتواصل، و«للإقصاء» أن يتوقف، حتى نرى يوما ما فى قيادة الجيش من يعتقد أن للإخوان شرعية نبوية وقرآنية، فيكون ذلك، حقا، نهاية كل شىء.