أما آن الأوان لكى نقرأ القرآن؟ أما آن لنا أن ندرك أن قراءة القرآن غاية ووسيلة، فلا نكتفى بما يدركه الكثيرون من تحقيق الغاية بكثرة القراءة، خصوصًا فى الشهر الكريم؟
أمرنا الله عز وجل بقراءته والاستماع إليه والإنصات لما يُتلى منه... ما الجديد؟ هكذا يرد أغلبكم، فاليوم يبدأ الشهر المعظم «شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن»، ومعه يتنافس المتنافسون على ختم القرآن –أى قراءته كاملاً- أكثر عدد من المرات، كلٌّ بقدر طاقته وسعيه المشكور، هذا عن الغاية، أما الوسيلة، فأراها معطلة عند أغلبنا؛ نقرأ ونقلب الصفحات كما نقلب الشاى.. نستأنس بالقراءة، كما نرتاح لروائح البخور الطيبة.. تطمئن قلوبنا بذكر الله، فيتوقف أثر القرآن عند تلاوة الشهادة والتسبيح والحمد والتكبير والاستغفار.
ليتنا نقدر القرآن حق قدره، ونقرأه كما نقرأ نصوصًا قانونية أو بيانات رسمية أو تصريحات لمسؤولين أو حتى نشرة دواء طبى.. يقول لك المستمع: أعد هذه الجملة من فضلك! انظر إلى هذا التعبير! هل تلاحظ استخدامه لـ«ثُمَّ» التى تفيد الترتيب والتسلسل الزمنى؟! هل لاحظت الفارق بين قوله هنا «عند العرض على النيابة»، وفى الباب الآخر «بعد العرض على النيابة»؟ وهكذا... ندقق فى أشياء لا أقلل من أهميتها، ولكنها لا تزن شيئًا أمام حرف واحد من كلام الله تعالى!
أنصح نفسى وإياكم ألا نفرح بِكَمّ الآيات والسور والأرباع والأحزاب والأجزاء التى نقرأها، بقدر ما نفرح بمعنى جديد نستوعبه جيدًا ونفهم مراد الله تعالى به، فالفهم الجيد هو أول خطوة على طريق التطبيق الصحيح لأوامر الله التى تحقق لنا جميعًا سعادة الدنيا والآخرة.
نعمة القرآن عظيمة، والتفريط فيها من أهم حماقاتنا التى وصلت بنا إلى ما وصلنا إليه من تسطيح لمعانى الدين وإفراغ لأعظم الكلام من محتواه!! لعل سباق القراءة يتحول هذا العام إلى سباق فى التدبر والاستيعاب كوسيلة –لا غنى عنها- للعمل بما أنزله الله العلى القدير على خاتم المرسلين الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. بدون العمل نكون كلنا فى خُسر كما جاء فى سورة العصر التى قال عنها الإمام الشافعى: «لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم»!
وبذكر الرسول الكريم والصلاة والسلام عليه وعلى سائر المرسلين، أذكّر نفسى بحلاوة فترات الترويح التى يحصل عليها المرء بقراءة السنة النبوية المشرفة، التى تعين على فهم المعانى القرآنية وتوضح كيفية العمل بها.
أنا على يقين أننا لو غيرنا علاقتنا بنصوص القرآن والسنة سنكتشف عالمًا مليئًا بالنور واليسر والبركة، ويخلو من الكم المذهل من الكذب الذى يحيط بنا، ويحاصرنا من جميع الاتجاهات، لدرجة جعلتنى أشعر أننا حُرِمْنا الحقيقة، وأصبحنا ندور فى حلقات مفرغة بحثًا عنها.. ألم يقل الله تعالى فى محكم كتابه: «ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور»؟
نعيش فى ظلام الجهل الذى اخترناه بأنفسنا حتى أصبح جزءًا من شخصيتنا المعاصرة التى تنتقص- بكل أسف- من ثقافتنا وحضارتنا التى تراكمت فيها القيم والمعارف عبر العصور الفرعونية واليونانية الرومانية والقبطية المسيحية والإسلامية العربية.
نبحث عن مخرج مما نحن فيه، وننسى وعد الله: «ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب» صدق الله العظيم وهدانا لفهم صحيح وكامل لمعنى التقوى الذى يفتح لنا أبواب الخير والرزق.
يتهمنى البعض بالهروب من التعليق على الأحداث الجارية واللجوء لأحاديث أو موضوعات يمكن تأجيلها، وأجيب بأنى حاولت مرارًا تكوين رأى قاطع بشأن ما يجرى، فوجدتنى عاجزًا عن تقدير الأوضاع وتحليلها فى غياب الحقائق واختلاطها وتعارضها، وفقًا لمصادرها المختلفة، فلم أجد من ألجأ إليه سواك يا إلهى الواحد يا مُرسلَ الذّكرِ الحكيمِ ومُرسلَ مُستقبِلِه الأمين.