لست أفهم على الإطلاق موقف حزب النور المتذبذب على مدى الأشهر الأخيرة ما بين الموقف ونقيضه بما يقترب من حد الانتهازية السياسية، والذى تجلى أخيراً فيما بعد ثورة الملايين يوم 30 يونيو، حيث أعضاء الحزب يعتصمون فى رابعة العدوية تمسكاً بالوضع القديم، وقادتهم يتفاوضون مع القوى الوطنية للحصول على مكاسب سياسية فى المرحلة المقبلة.
والحقيقة أن الكثيرين دهشوا لدعوة سلفيى النور للاشتراك فى وضع خريطة ما بعد أحداث 30 يونيو التى لم يشاركوا فيها من قريب أو بعيد، وقد ازدادت الدهشة حين لم يتصرف حزب النور كشريك لبقية الأطراف وإنما كوصى عليهم يشير إليهم بما عليهم أن يفعلوه، ويملك حق «الفيتو» يعترض به على ما يتوافقون عليه.
لقد توافقت القوى الوطنية على ترشيح الدكتور محمد البرادعى ليتحمل مهمة ثقيلة وهى رئاسة الوزارة التى ستنقل مصر من الوضع المتردى الذى وصلت إليه لتضعها على بداية الطريق السليم، لكن الحزب اعترض بشدة على شخص البرادعى مهدداً بالانسحاب إذا ما تم تكليفه بالوزارة.
إن هذا الاستقواء هو ذاته أسلوب جماعة الإخوان، وهو الأسلوب الذى أدى لسقوطها فى النهاية، فكيف يتجاهل حزب «النور» السلفى ما انتهى إليه رأى الآخرين ويتمسك برأيه بل يهدد بالانسحاب إذا ما تم إقرار ما توافقت عليه الأغلبية؟ ألم يقبل الناس أحزاب الإخوان والسلفيين منذ الانتخابات البرلمانية التى حازوا فيها الأغلبية إلى أن انفرد الإخوان بالحكم وغلّبوا رأيهم وحدهم على الجميع بمن فى ذلك السلفيون أنفسهم، فكيف يسلك الآن الحزب السلفى نفس مسلك الإخوان الذى عانوا منه، ضارباً عرض الحائط برأى الأغلبية؟
للأسف إن تلك هى آفة خلط الدين بالسياسة، إننا يا إخواننا نتدارس أموراً سياسية وليس مبادئ عقائدية، وتلك النظرة التى تتعامل مع السياسة من منطلقات دينية ينبغى أن تسقط من تعاملاتنا السياسية بعد أن أسقط الشعب من حاولوها ففشلوا وأفشلوا البلاد معهم.