أغلب الظن أن حزب النور ودعوته السلفية سوف يتراجعان عن التحفظ على تكليف الدكتور محمد البرادعى بتشكيل الحكومة، وأغلب الظن أنه إذا لم يتراجع «النور» فإن الدكتور البرادعى، إعلاءً لقيم التوافق الوطنى وعدم الإقصاء لأى طرف، سوف يعتذر عن التكليف.
أما حزب النور فإن كل الانتقادات الصارخة ضده فى ظنى فى محلها تماما، لكن هذا لا يمنع إطلاقا أن نضع تحفظه فى اعتبار مهم للغاية، حتى لا نقع فى ذات الفخ الذى وقع فيه الإخوان.
لن نقول لحزب له جمهوره، ولدعوة لها أعضاؤها: «مُوتُوا بغيظكم».
يمكن أن نترفع عن ظاهرة فارغة اسمها عبد المنعم أبو الفتوح، ليس إلا اسْتِبْنًا آخَر للإخوان، أما الدعوة السلفية فوجودها وجمهورها، حتى لو كان كثير منه بالفعل ضِمْنَ أنصار الرئيس المعزول فى «رابعة» و«النهضة»، يعيش فى خيمة وخيبة من الانفصال عن الواقع ويقتات على أكاذيب وأوهام الإخوان، إلا أننا لا يصح، حين نُعلى من قيمة التوافق، أن نردّ على المعارضين بأنهم لا وزن لهم أو أنهم بلا قيمة، أو أنهم لم يشاركوا فى ثورة يناير ولا ثورة يونيو.
هذا صحيح، «النور» حزب ظلامى.
لكن التعامل معه فى إطار الفترة الانتقالية واجب، ولْيملِك الصندوق وحده وضع السلفيين مع الإخوان فى حجمهم الحقيقى بعد انكشاف الضعف والخواء والتكالُب على السلطة والفشل والمتاجرة بالدين التى اعتمدوها من بعد ثورة يناير.
حتى هذا الحين «النور» داخل اللعبة ولا يمكن إقصاؤه، بل الإخوان من غير القادة المجرمين لا يمكن تجاهلهم. نحن كذلك نحتاج إلى احترام لمؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، ففى هذه المرحلة الانتقالية انتبهوا لأخطاء الإخوان الكارثية، فكما حاولوا أن يؤخونوا مؤسسات الدولة ففشلوا، لا تحاولوا تثوير أجهزة الدولة فتلْقَوْا نفس مصير الفشل.
لا لأخونة الدولة.. كما «لا» كبيرة جدًّا لتثويرها.
طبعًا لا يمكن السكوت عن الأوضاع المعيبة، وعن القواعد الفاسدة، لكن التغيير تدريجى فى العمليات الانتقالية، تدريجى ومحسوب ومنتظم، لكنْ بطىء، يستغرق وقتًا.. لكن لا يستنزف بلدًا.. يغيِّر بالعقاقير لا بالجراحة.. يطهِّر بالمراهم، لا بالحريق.
التعقُّل والنضج والانضباط هى ضمانات النجاح الثورى، العصبية والتعصُّب والإقصاء والولع بالاستحواذ على ما نظنُّه حقًّا هو باب الجحيم وهُوَّة الفشل التى نتساقط فيها.
لا يمكن أن تمثِّل ثورية شابّ مؤهِّلًا لتولِّيه منصبًا يدير أمرًا فى وطنه، ولا يمكن أن يتصدى لتحمُّل أعباء الجماهير معشوقو الجماهير دون أن يمتلكوا دراية بالولاية ولا كفاءة بالإدارة.
الحكومة القادمة، وبإذن الله، تحت رئاسة الدكتور البرادعى، ليست حكومة نشطاء، وليست حكومة وجوه تليفزيونية وليست حكومة متظاهرين.. بل هى حكومة كفاءات، إذ نحن نريد إخراج البلد من عَثْرتها وتصحيح مسار ثورتها وبناء أسس متينة للاقتصاد والخدمات (على مدى ما بين ستة أشهر وسنة، هو العمر المحتمَل للوزارة).
الخطأ التاريخى القاتل للإخوان، بعيدًا عن كذبهم وخداعهم ونَصْبهم وفشلهم وجهلهم وإجرامهم، أنهم:
- استعجلوا.
- أخوَنوا.
- أقصَوْا.
- قدَّموا أهل الثقة، لا أهل الكفاءة.
- تَوَسَّعوا فى توحُّشهم ضد الدولة، وتَوَحَّشوا فى توسُّعهم ضد الدولة!
ها.. عايزين تبقوا زيّهم؟!