شعبٌ لا مثيل له. مثله لم تلدِ الأكوانُ. دوّخَ علماءَ الفلك، الراهنين، وأعظم المعماريين العالميين بما شيّده قبل خمسين قرنًا! دوّخ علماء الطبّ والكيمياء والفيزياء والهندسة الفراغية والتفاضل والتكامل، وبهر النحّاتين والتشكيليين والشعراء والموسيقيين بما أنجزه فى حقولهم، منذ خمسين قرنًا! من أى عجينة بشرية وجينية وعِرقية قُدَّ هذا الكائنُ المصرى؟! قبل ثورة 2011، كتبتُ كلاما كهذا، فاتهمنى سيناريست أفلام كوميدية، نصف مصرى، نصف يمنى، بأننى «شوفينية»! والشوفينية chauvinism، أى التعصّب فى حب الوطن، لا تليق بالشعراء! والحقُّ أننى لا أنفى عن نفسى التعصّب لمصر، سوى أن حبى لوطنى غيرُ مقرون بأمراض التعالى على الأمم الأخرى. بالعكس، من يقرأ كتبى ومقالاتى وقصائدى، فسيتأكد من ولائى للإنسانية كاملة، لأننى ابنةٌ بارّة للفيلسوف الإسلامى محيى الدين بن عربى الذى قال: «أدينُ بدينِ الحبّ أنّى توجهتْ ركائبُه/ فالحبُّ دينى وإيمانى».
سوى أن انتمائى للإنسانية لا يتناقض مع تطرفى فى حبّ مصر وفخرى بانتمائى لأسلافى الفراعنة الذين كتبوا السطر الأول فى كتاب التاريخ، وعلّموا البشرية الحضارةَ، وقت كانت الأمم ترفل فى الهمجية والبداوة.
كيف لا أفخرُ بشعب صنع ثورتين من أعظم ثورات التاريخ، خلال عامين؟ أطاحت الأولى بحاكم كان جادًّا فى بداية عهده، ثم تحوّل إلى أنانىّ ضعيف فى أواخره، وأطاحت الثانيةُ برجل لم يحب مصر برهة واحدة، فاجتهد من يومه الأول فى سرقة خيرها ليموّل جماعته الإرهابية التى لا تجيد العمل إلا فى السراديب المعتمة.
زرعت أمريكا هذه الجماعة فى قلب مصر، لأجل عيون إسرائيل التى لم يبرحها حلم استعادة «سيناء» منذ أعادها لنا الرئيس السادات وجيشنا المحترم. يودّ صهيون استلاب سيناء بأى ثمن، ولم يمكّنه مبارك من هذا. لأنه، رغم انحراف سياسته آخر عشر سنوات، فإنه مقاتل وطنىّ، ذاق غبار المعارك، وعرف معنى رفع علم مصر على أرض «كانت» محتلة. ثم جاء «العياط» الذى لا يعرف شرف الأرض، فانبطح لأوامر أمريكا، ووعد بمنح سيناء للغزاوية- صداع إسرائيل الدائم.
لهذا روّع «أوباما» إسقاطُ «عميله» مرسى العياط، فهدد بقطع المعونة عن مصر، رغم أنها حقٌّ لا منحة، منذ اتفاقية كامب ديفيد. فما كان من شعبنا «السيد» إلا أن قال: «شكرًا أمريكا، لا نريدُ معونتك، ولتسقطى مع الإخوان». وفورا، أطلقت قناة «cbc» حملة تبرّع لدعم مصر. وخلال ساعات، انهمر أكثر من 45 مليار جنيه! رقم الحساب، الذكى، 306306، أى 30/6 مرتين، تخليدا لأهول ثورات التاريخ.
تبرعوا، لكى تقول مصرُ للعالم: «أنا سيدةُ العالم».