حين قلت فى هذا المكان، صباح الجمعة، إننا يجب أن نترك معتصمى رابعة العدوية فى أماكنهم، وألا نضايقهم، كنتُ، كما قلت يومها، أراهن على أنهم سوف يدركون من تلقاء أنفسهم، من خلال بقائهم هناك، أنهم أهل كهف القرن الحادى والعشرين، وأنهم فى اتجاه، بينما المصريون جميعاً فى اتجاه آخر تماماً!
ولكن.. لم أكن أتصور أن تركهم فى رابعة، رغم استغاثة سكان المكان منهم، له فوائد أخرى، من بينها - مثلاً - أننا نرى بأعيننا، يوماً بعد يوم، حجم المخدوعين فى الإخوان، والمصدقين لأكاذيبهم، وربما يأتى يوم يفيق فيه هؤلاء المخدوعون، ويقررون استرداد عقولهم التى يسلبها منهم المرشد العام لجماعة الإخوان، بمجرد أن ينتمى أى واحد فيهم إلى «الجماعة»!
والحقيقة أننا يجب أن نفهم أننا أمام جماعة، ظلت طوال 83 عاماً من عام 1928، عندما نشأت الجماعة على يد حسن البنا، إلى عام 2011 عندما تخلى مبارك عن الحكم، تقاتل فى سبيل الوصول إلى السلطة بشتى الحيل، فلما وصلت إليها تبخرت منها فى عام، بفعل حماقات ارتكبتها، ولذلك فوجود أعضائها فى رابعة وغير رابعة، بالأعداد التى نراها، وبالمقاومة التى تبدو منهم أمر متوقع.. ومخطئ من كان يتوقع غير هذا.
وعندما ظهر مرشدهم العام يخطب فيهم، فى رابعة، يوم الجمعة، كان ظهوره شؤماً، ثم اتضح للذين سمعوه، وهو يتكلم، أن من بين فوائد استبقاء تابعيه، فى هذا الميدان، الذى يتمسكون بالبقاء فيه، أن نسمع رجلاً من نوعية المرشد محمد بديع وهو يُخرِّف.. أقصد وهو يتحدث فى العلن!
ففى أحيان كثيرة، كان الكلام لا يسعفه، ولم يكن يجد شيئاً يقوله، عندئذ، إلا أن يردد: الله أكبر.. الله أكبر.. ولم يكن يعرف، وهو يردد هذه العبارة، أن مصريين بالملايين، فى أنحاء البلاد، كانوا يرددون وراءه عبارة فى السياق نفسه، وهى: الله أكبر عليكم يا جماعة الإخوان، وعلى ما فعلتموه، وتفعلونه، فى حق هذا الشعب المسالم.. كان كل مصرى وطنى، لا يعرف انتماء فى حياته غير الانتماء إلى وطنيته المصرية الحقيقية، يسمع تكبير المرشد، ولسان حاله، أى لسان حال هذا المواطن، يقول: الله أكبر عليك أيها الرجل.. فهو رجل يجب أن يخضع للمساءلة القانونية، عن أحداث العنف التى تسبب فيها كلامه، فى مساء اليوم نفسه.. ذلك أن دم قتلى وجرحى ذلك اليوم سوف يبقى فى رقبة محمد بديع شخصياً.. هذا المحرض العام.. لا المرشد العام!
ولم يشأ المحرض العام أن يكتفى بهذا، فى كلامه، وإنما راح يخاطب الحاضرين ويسألهم عما إذا كان الإخوان قد تأخروا عن تلبية أى حاجة لأى واحد فيهم فى أى وقت، وكأنه يعايرهم بما كانت جماعته توزعه عليهم من الزيت والسكر، طوال سنوات مضت!.. لقد تبين، إذن، أن بقاءهم فى رابعة له فوائد لا تُحصى!