تأتى لحظات تقف الكلمات عاجزة عن وصفها.. فهى أعظم.. وأجلّ من أن توصف.. لقد أذهل المصريون الجميع.. صنعوا ما لم تصنعه شعوب قبلهم.. انعقدت الجمعية العمومية لهم فى ميادين الحرية.. ليتخذوا قرارا بالإطاحة بنظام فاشى فاسد جثم على أنفاسنا.. لما أُزيح عمت الفرحة والابتهاج كل أنحاء المحروسة العامرة بأهلها الأحرار.
لا أدرى كيف وصل مرسى أصلاً إلى حكم مصر.. فالأكثر خطورة من حكم الديكتاتور.. هو حكم المعتوه.. فمصر بكل مكانتها وتاريخها.. لا يمكن أن يحكمها سوى من يدرك حجمها وعظمتها.
لكن لا ندرك حكمة الله عز وجل فى وقتها.. فنظن أن الأمر شر.. وهو كله خير.. فالأفضل بكثير أن حكم الإخوان.. حتى يظهروا على حقيقتهم للشعب المصرى.. وحتى نتخلص من تجار الدين إلى الأبد.. فلو لم يحكم الإخوان.. لأصبح وارداً وصولهم للحكم فى أى لحظة.. لنبدأ من جديد ما خلصنا إليه فى 30 يونيو.
سيقف التاريخ طويلاً ليتأمل ويحلل.. كيف تناغمت كل القوى.. لنرى هذا المشهد الرائع فى 30 يونيو.. فيعود الفضل فى توحد الجميع إلى جماعة الإخوان.. التى صنعت بغطرستها ما كان يصعب فعله على مدار عشرات السنوات.. فنرى الشعب والجيش والقضاء والداخلية معاً فى مواجهة احتلال الإخوان الماسونى لمصر.
فقد أتت عبقرية «تمرد» فى تجميع الصف الثورى.. لأنه عن تجربة يصعب تجمع كل القوى الثورية والسياسية فى كيان موحد.. لكن يسهل توحيدها حول فكرة.. أو مشروع.. أو هدف وطنى بحت.
ويأتى دور القوات المسلحة.. كعامل الحسم فى إنهاء حكم الإخوان.. بالانحياز إلى إرادة الجماهير.. ولتجدد القيادة العامة للقوات المسلحة علاقتها بالقوى الثورية والسياسية.. لتمحو ما صنع أسلافها من أعضاء المجلس العسكرى السابق.. الذين تسببوا فى تعثر مسار الثورة والتمهيد لوصول الإخوان إلى الحكم.
ويعلن الفريق أول «السيسى» عن عدم تدخل المجلس العسكرى فى الإدارة السياسية للبلاد.. وأن تلعب المؤسسة العسكرية دورها فى ضمان التحول الديمقراطى.. وهو ما كنا نتطلع إليه فى بداية قيام ثورة يناير.
أما عن القضاء فبدأ يصحح نفسه من الداخل.. فقد عاد عبدالمجيد محمود نائبا عاما، وما لبث أن استقال.. ليختار مجلس القضاء الأعلى نائباً عاماً.. يستطيع أن يتولى زمام الأمور فى هذه المرحلة الحرجة.. ويبدأ القضاة فى تجهيز مشروعهم.. قانون السلطة القضائية.. للحفاظ على استقلالهم بعيدا عن أى هيمنة من السلطة التنفيذية الحاكمة.
أما فيما يتعلق بالداخلية.. فقد اتخذ ضباطها موقفاً محموداً.. فى اجتماعاتهم بنادى ضباط الشرطة.. بألا يتعرضوا للتظاهرات.. وأن دورهم فى 30 يونيو سيقتصر على حماية المنشآت فقط.. وهو ما مهد لفتح صفحة جديدة مع جهاز الداخلية.. ورسم علاقة جديدة بين الشرطة والشعب.
فقد استطعنا أن نتخلص من نظام فقد مشروعيته بنزول الجماهير الغفيرة إلى الشارع.. فلا يمكن وصف ما حدث بأنه انقلاب عسكرى.. وإنما انقلاب شعبى.. انحازت له القوات المسلحة.