بعد الثورة، أى ثورة، أو حتى بعد تغيير أى معادلات للقوة، دائمًا ما أتابعهم وهم يحاولون الشعبطة فى القطار الجديد. من حقهم، ولكنهم يتناسون أنهم قبلها بلحظات كانوا من خُدَّام وأتباع من كان يملك قبل لحظات السلطة بيديه، لم يكونوا يومًا أصحاب رأى ولكنهم يبحثون فقط عن الغنائم القادمة أو المحتملة من هنا أو هناك.
هل تتذكرون انتفاضة جريدة «الأهرام» الأخيرة وكيف أن رئيس تحريرها باع مرسى والإخوان الذين صعد على أكتافهم ولولا أنهم دعموه ما كان اعتلى كرسى أهم جريدة مصرية؟ هكذا جاء «المانشيت» بعزل مرسى بعد أن أيقن مِن غرق المركب لأن الملايين الرافضة فى كل الميادين كان صوتها هو الأعلى، فقرر أن يسبق حتى الجرائد الخاصة معلنا سقوطه، فعلها قبله وفى توقيت مشابه يوم 12 فبراير 2012 رئيس تحرير «الأهرام» الأسبق.
تنويعات عديدة على نفس التيمة تجدها فى كثير من المواقع، أكثرها فجاجة ما يفعله الآن شكرى أبو عميرة رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى صرَّح بأنه رفض إذاعة بيان مرسى الذى أصدره للرد على البيان الأخير للفريق أول السيسى الذى حدد فيه خارطة الطريق، هل هناك بطولة فى الامتناع عن إذاعة بيان رئيس أسقطه شعبه قبل أن يتم عزله وصار رهن التحفظ؟ ولم يكتفِ أبو عميرة بهذا القدر من البطولات الزائفة، فأعلن فى لحظة عنترية نادرة أنه سيظل مدافعًا عن الحريات، وأعاد للشاشة الصغيرة وجوهًا أبعدها التيار الإسلامى مثل بثينة كامل وهالة فهمى وبعدها ألغى تحقيقات مع عدد من مقدمى ومُعِدِّى البرامج كان هو نفسه الذى طالب بها بحجة أنهم قد خرجوا عن المهنية ولم يتبعوا التعليمات فى عهد «متولى»، واسم الشهرة «صلاح عبد المقصود»، بعد 30 يونيو صار هؤلاء هم أصحاب المهنية كما ينبغى أن تكون المهنية.. ما البطولة فى كل ذلك؟ وأين الموقف؟ هذا المشهد تحديدًا تابعَته مصر مرتين فى عامين ونصف، كأن الناس جميعًا لديهم ذاكرة الأسماك، أى بلا ذاكرة.
الزمن تَغيَّر، كل التفاصيل موثَّقة على «يوتيوب» عصية على النسيان لأنها ببساطة من الممكن فى أى لحظة أن تستعيدها. رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الحالى صعد نجمه مباشرة بعد مجىء عبد المقصود لأنه كان ينفذ التعليمات بل ويزايد على تجميل مواقف الوزير، مؤكدًا أنه لم يطلب منه أخونة الشاشة رغم أن الكل شاهد كيف كان يهيِّئ كل الشاشات والإذاعات لترتدى العمة والنقاب.
من يستحقّ التحية فى الحقيقة هم الإعلاميون الذين قاوموا الأخونة فى عز قوة النظام السابق، الوجهان المضيئان لـ30 يونيو هما أن الشرطة عادت إلى الشعب كما أن الإعلام الرسمى صالحه الناس، لأن قطاعًا وافرًا من الإعلاميين راهن أولًا على الناس. المشهد فى أحداث 30 يونيو رأيناه على النحو التالى قبضة وزير ورئيس اتحاد لا تستطيع أن تسيطر على الهواء، مظاهرات فى الشارع تؤكِّد أن مساحات الغضب ستطيح لا محالة بالرئيس، أضف إلى ذلك عامل الخبرة السابقة، وهو أنه قبل عامين ونصف كان هناك رئيس يمسك كل شىء وأطيح به فى لحظات، لهذا فليس مستبعَدًا تكرار الموقف. عنصر هام دخل بقوة فى المعادلة هو أن المشاهد لن يقبل وليس على استعداد للسماح بتامر آخر، بتاع غمرة، الذى كان يؤدِّى دورًا لحساب الأجهزة فى ثورة 25 يناير، ولم يسمح له بالظهور فى 30 يونيو، وهكذا انتزع مقدمو البرامج حريتهم بأيديهم، ما الذى فعله أبو عميرة؟ هل كان يدافع عن الحرية؟ لماذا لم يقف فى صف هؤلاء المذيعين والمعدين الذين تم إبعادهم بدلًا من أن يحيلهم للتحقيق؟
الحكاية تتكرر دائمًا، مَن كنا نراهم يدافعون عن التوريث شاهدناهم بعد ثورة يناير وهم يؤكدون أنهم تصدوا لجمال مبارك. بطولات لا تراعى فروق التوقيت، وسوف نتابع مجددًا من يقول إنه قال لمرسى كذا وكذا وحذره من الأخونة. دائمًا هم ينافقون ويداهنون من يملك السلطة، أحترم كل صاحب مبدأ حتى لو اختلفت مع أفكاره، ولكنى لا أستطيع أن أغض الطرْف عن هؤلاء وهم يأكلون قضمات على كل الموائد.