تخطئ جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من جماعات الإسلام السياسى، المتحالفة معها، حين تصدق المزاعم التى تطلقها، وتبنى عليها مواقفها، بأن ما حدث خلال الأسبوع الماضى، وأسفر عن عزل الرئيس السابق محمد مرسى، هو انقلاب عسكرى على الشرعية، فهذا كلام تستطيع به أن تخدع المنتمين إليها والمتحالفين معها فى الداخل، وأن تتوجه به إلى رؤساء الدول الحليفة والصديقة لها فى الغرب، لعلهم يرسلون تجريدة عسكرية تحتل مصر، وتعيدهم إلى الحكم، ولكنها لا تستطيع أن تخدع به الشعب المصرى، الذى خرج الملايين منه إلى الشوارع يهتفون بسقوط حكم المرشد، وخرج أضعافهم يحتفلون بهذا السقوط، ولأن الرئيس المعزول نفسه أصر قبل أن يتولى سلطته على أن يقسم اليمين الدستورية فى ميدان التحرير، فى إشارة واضحة إلى أنه يستمد شرعيته من الميدان، وهذا الميدان نفسه، وامتداداته، هو الذى أسقط شرعيته، فلا انقلاب هناك على الشرعية ولا يحزنون.
وتخطئ جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسى المتحالفة معها، إذا تمسكت بالتحليل الخاطئ الذى بنت عليه مواقفها أثناء الأزمة الأخيرة وقبلها، وذهبت إلى أن الذين عارضوا أسلوبها فى الحكم، واحتجوا على زحفها للهيمنة على كل مفاصل الدولة، وطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة، هم مجرد «شرذمة» من فلول النظام الأسبق ومن البلطجية والرقاصين والأقباط المتطرفين، ممن لا يجمع بينهم إلا كراهية الإسلام، وتجاهلوا تماماً أن الأخطاء التى وقعوا فيها خلال عام واحد من حكمهم، ربما تفوق الأخطاء التى وقع فيها النظام الذى حكموا على أنقاضه، وأنها هى التى دفعت 22 مليوناً من المصريين للتوقيع على عريضة «حملة تمرد» بسحب الثقة من الرئيس السابق، ودفعت 30 مليوناً للاحتشاد فى الميادين يطالبونه بالرحيل ويسقطون عنه الشرعية!
وتخطئ جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من جماعات الإسلام السياسى، إذا توهمت أنها تستطيع أن تسترد السلطة بالقوة أو بالإرهاب أو باستخدام البنادق الآلية والمتفجرات أو التهديد بإشعال حرب أهلية، ليس فقط لأنها معركة خاسرة، سوف تهزم فيها بالقطع فى مواجهة قوة الشعب والشرطة والجيش، ولكن ــ كذلك ــ لأن القيام بهذه المغامرة الحمقاء سوف يفقدها إلى الأبد كل وجود لها على الساحة المصرية.. وعليها أن تتذكر أن كل ما تسميه فى أدبياتها «سنوات المحنة» كانت رد فعل مباشراً لعمليات إرهاب واغتيال قامت بها مجموعات مغامرة داخلها ودفع آلاف من أعضائها الثمن.
ويخطئ الإخوان وحلفاؤهم إذا توهموا أن الاحتشاد فى ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر، سوف يعيد إليهم سلطة فقدوها بإرادة الشعب المصرى بكل أطيافه، ففضلاً عن أن المحتشدين منهم هم مجرد «شرذمة» فى مواجهة أمة بأسرها، لن يستطيعوا أن يغيروا من الواقع شيئاً، فإن المجال لايزال متاحاً لهم، إذا استوعبوا درس 30 يونيو، أن يستردوا جانباً من ثقة الشعب التى فقدوها.
وإذا كان من حق الإخوان المسلمين والمتحالفين معهم، أن يشعروا بفداحة الخسارة التى لحقت بهم، حين فقدوا حكم بلد بحجم ومكانة مصر، مما سوف ينعكس بالقطع على نفوذهم فى دول أخرى، فمن واجبهم أن يكفوا عن ترديد هذا الخطاب الخائب الذى تتوجه به قياداتهم إلى الداخل والخارج، فى محاولة منها للتهرب من مسؤوليتها عن الفشل الذى مُنى به حكم الجماعة بعد أقل من عام على توليها السلطة، وعن الهزيمة الجماهيرية الكبرى التى أدركتها وأسقطت حكمها بإرادة الشعب.
ما يتوجب على الإخوان المسلمين، بدلاً من الاحتشاد فى الميادين للبكاء على اللبن المسكوب، هو أن يحاسبوا قياداتهم على الأخطاء التى ارتكبوها قبل السقوط، وأدت إلى هذه الهزيمة المنكرة، وفى مقدمتها الخطأ الاستراتيجى الرئيسى الذى وقعت فيه حين قررت فجأة الانتقال من شعار «مرحلة المشاركة» التى انضمت على أساسه إلى جماهير ثورة 25 يناير، وظلت تتمسك به بعد عدة أسابيع بعد انتصار الثورة، معلنة أنها لن تنافس إلا على ثلث مقاعد مجلس الشعب، ولن ترشح أحداً باسمها لموقع رئيس الجمهورية، ثم أغراها الفراغ السياسى الذى كان قائماً أيامها للانتقال بشكل مفاجئ إلى مرحلة المغالبة فسعت لعقد تحالفات مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، التى دفعتها للتخلى عن شعار «دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية»، بدلاً من أن تتحالف مع القوى الليبرالية والديمقراطية، باعتبارها - كما كانت تصف نفسها - جماعة إسلامية وسطية، ليقودها ذلك إلى كل ما وقعت فيه من أخطاء، فتولت السلطة فى ظروف معقدة، لا قبل لها بتحمل تبعاتها، ومن دون أن تكون لديها خبرة بها، أو كوادر مؤهلة لكى تحكم دولة، أو تدير شؤونها، واضطرها الانفصال المفاجئ من مرحلة المشاركة إلى المغالبة إلى محاولة الإسراع بأخونة الدولة، وإلى إعلان فقه المغالبة الذى كانت تخفيه وتحرص على عدم إعلانه، ليكشف عن أنه نسخة طبق الأصل من فقه تنظيم القاعدة.
ذلك هو ما حدث قبل السقوط، وانتهى بسقوط حكم المرشد، وهو ما يتوجب على جماعة الإخوان أن تراجعه وأن تحاسب المسؤولين عنه، إذ لو لم يفعلوا فسوف تسقط الجماعة نفسها، وتختفى تماماً من الخريطة الاجتماعية والسياسية.
وإذا كان لابد وأن يعتكف الإخوان فى ميدان رابعة، فلكى ينشدوا قول الشاعر القديم: «أُعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته.. ومن لا يسوس الملك يخلعه»!