أسس الشعب المصرى مفهوما جديدا للانتقال إلى الديمقراطىة يُنظر إليه بانبهار من شعوب العالم ومن مراكز الدراسات السياسية التى ستعكف طويلا على دراسة هذا الفعل الثورى المتفرد فى تاريخ الثورات حيث رفض الشعب المصرى الوصفة الأجنبية لتوجيهه فى مسارات بعينها للتحول من الحكم الشمولى عبر الانتخابات فقط فى تجاهل من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا لخصوصية الشعوب وتجربتها وتطلعها للمستقبل دون اعتبار لأن الديمقراطيات الراسخة لم تحقق ما وصلت إليه إلا بعد مخاض طويل وعسير كانت خطوته الأخيرة صناديق الانتخاب، وظل الرأى العام يتساءل طويلا فى مصر عن سر تشبث الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار الإخوان المسلمين فى الحكم رغم معرفة الحكومة الأمريكية جيدا أن الغالبية العظمى من الشعب المصرى ترفض تماما حكم الرئيس المقال شعبيًّا محمد مرسى ولا تقبل بهيمنة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة؟ واللافت فى الإجابة عن هذا السؤال أن السواد الأعظم من المصريين يملكون الإجابة التى تتوزع تفاصيلها بينهم فالأمريكيون الذين تواطؤوا مع الإخوان المسلمين وساعدوهم على سرقة الثورة لم يفهموا الشعب المصرى العجوز بعد ولم يقرؤوا تاريخه جيدا وتصوروا عن جهل إمكانية تكرار أساليبهم التى اعتادوها فى بلدان كثيرة ثارت شعوبها على الأنظمة الديكتاتورية التى كانت تحكمها.
ثورات المصريين عبر تاريخهم لا حصر لها، بدأت منذ آلاف السنين، فهم قاموا بأول ثورة شعبية فى التاريخ ضد الحاكم وكانت ضد بيبى الثانى، تبعتها ثورات أخرى ضد حكام فاسدين من الفراعنة ومن تلاهم حتى حسنى مبارك وضد امبراطوريات وشعوب غازية أتت ورحلت خالية الوفاض لم تتمكن من هذه الأمة ولم تنل من موروثها الحضارى والإنسانى ولم ينتبه الأمريكيون إلى أن المصريين عندما ينتقلون إلى حالة الثورة فلا مشكلة لديهم أن يتجسد الفعل الثورى فى عدة هبّات وانتفاضات تتواصل حتى تتحقق الغاية التى ثاروا من أجلها.
أخطأت الحكومة الأمريكية هذه المرة لأن مستشاريها لم يكلّفوا أنفسهم قراءة الشعب المصرى جيدا ولم يعتنوا أو يبذلوا مجهودا كافيا لفهم الشخصية المصرية التى لا تتنازل ولا تتراجع عندما تبنى عن قناعة فكرة أو عقيدة مبنية على ممارسة للواقع وفهم مقتضياته المرتبطة بثوابتها والتى تجسّد آمالها وطموحاتها لكن واشنطن التى أُصيبت بعمى الإمبراطوريات المتداعية يطغى عليها غباء المنهج الاستعمارى الذى وجد فى جماعة الإخوان المسلمين عملاء منبطحين يخضعون تماما لرغبات السيد الأمريكى واستقوى الإخوان بالأمريكيين الذين ساندوهم حتى النهاية إلى أن أزاحهم الشعب المصرى هم وأسيادهم الأمريكان.
لقد صاغ الشعب المصرى بقوة الاحتجاح السلمى مفهوما جديدا للتحول من الحكم التسلطى الشمولى إلى الديمقراطية التى تستند إلى معطيات ترفض زيف صندوق الانتخاب حتى وإن كانت نتائجه بلا تزييف، والمعنى هنا أن الشعب يرفض أن يكون الصندوق صنمًا فى معبد نخبة من كهنة السياسة أو عصابات الإسلام السياسى فى الحالة المصرية لأن الصندوق يأتى بحاكم بينه وبين الشعب تعاقد وشروط لا يقبل أن يُخِلّ بها الحاكم مستغلا ذريعة أنه منتخَب وأن لديه فترة رئاسية وحصانات دستورية وقانونية تساعده فى الغالب على المراوغة والاستمرار بعد أن يكون قد أخلّ ببنود تعاقده مع الشعب، هنا يعود المواطن إلى الميادين، والميادين فى أرجاء الوطن ليست حيز المكان لكنها أداة الديمقراطية التى لا يقلد أصحابها ديمقراطيات الآخرين وأخطاءهم وخطاياهم فى أسلوب الحكم لا سيما أن مصر تعيش فى حالة مد ثورى ذى طبيعة خاصة وهى حالةٌ الشعب فيها هو السيد وهو القائد والدليل على هذا أن الوجود الشعبى الهائل على الأرض لم يتسبب فى أى فوضى أو تخريب.
لهذا لا يمكن اعتبار أن تدخل القوات المسلحة لضبط الوضع السياسى نزولا على إرادة الشعب الذى أعلن بأغلبيته العظمى فى ميادين محافظات مصر كل عن إلغاء التعاقد بينه وبين الرئيس السابق محمد مرسى وعن رفضه لتسلل الإخوان لمفاصل أجهزة الدولة فى محاولة للاستيلاء عليها وفرض الأمر الواقع ويمكن القول إن ما تم هو أن الشعب المصرى قد أصدر التوجيه الاستراتيجى للقوات المسلحة بإنقاذ الوطن من مؤامرة كانت تعد لها بعض تيارات الإسلام السياسى بإشاعة الفوضى والخراب.