تقفز أسئلة مؤرِّقة فى عزّ الفرح بالثورة وخوفاً عليها من المخاطر المحدقة: هل نكرر أخطاء ثورة يناير عندما تورطنا بعد الإطاحة بمبارك فى استكمال آخر انجازاته التى أردا بها خديعة الثورة فشكل لجنة قانونية لصياغة تعديلات على بعض مواد الدستور؟ لقد كان الخطأ الجسيم يومها أن الثورة لم تُقْدِم على إلغاء دستور مبارك كاملاً ولم تقم بوضْع دستورها، ثم اكتشف من لم يكن يعرف أن هذا كان أفدح الأخطاء بسبب الحسابات ضيقة المصالح للإخوان المسلمين على حساب ثورة الشعب. وحدث ما حدث!
والآن، ترك لنا مرسى دستوراً كارثياً، وبدلاً من المبادرة بإلغائه من اليوم الأول وإعلان ذلك بكل وضوح جاء كلام عن «تعليقه» ثم «تعديله»! كما قيل إن مشروع الانتخابات الملغوم الذى جرى تفصيله على مقاس الإخوان وحلفائهم سوف نذهب لترقيعه! فهل هناك ما يُخْجِل من المجاهرة بإلغاء كل هذه التركة وتوضيح أن من أول المهام أن نضع دستوراً جديداً وقوانين جديدة تحقق مطالب الثورة وتوفر العدالة لكل الأفراد والجماعات والتيارات والأحزاب السياسية؟ أم أن هناك مَن لم يتعلم الدرس بعد؟!
ولماذا لم تذكر خطة المستقبل التى أعلنها الفريق السيسى وبكلمات واضحة صريحة أن الشعب أطاح بمرسى وأن الثورة قررت إخضاعه للنيابة للتحقيق معه، على الأقل جنائياً فى تهمتى الفرار من السجن والتخابر؟
وكيف يكون التجاهل التام فى هذا البيان لجماعة الإخوان المسلمين ومَن كانوا متحالفين معها؟ وفيهم أعضاء ولهم أصدقاء بمئات الآلاف من المواطنين، وهم فى حاجة ماسة إلى رسائل مُطمئنة، كما أن من مصلحة البلاد أن يُحسوا بالاطمئنان. وكان يمكن أن يمسّ البيان هذا المعنى بجملة واحدة يكون لها أثر كبير فى تهدئتهم بما يحقق استقرار البلاد.
لقد أنجز الشعب المصرى ثورة عظيمة فلا يجب أن تأخذها مهام السعى إلى معاقبة المجرمين فى حق مصر عن الالتفات إلى ضحايا هؤلاء المجرمين حتى، بل خاصةً، من وقعوا فى الخديعة وتحمسوا لقضايا وهمية دفعوا فيها من عمرهم وجهدهم ومالهم، وهم الآن فى مهبّ الريح عُرضة للانسياق إلى اتجاهات شتى، فلماذا لا تجذبهم الثورة؟
فالثورات العظيمة تحتضن هؤلاء وتترفق بهم وتأخذ بأيديهم ليلحقوا بمشروع الثورة العظيم ويشاركوا مع البناة.
وحتى بالحساب العملى، ولا ضير أن تأخذ به الثورة، بل من المهم أن تأخذ به الثورة، فإن إهمال أفراد وجماعات هذه القواعد الأبرياء فى الحزب والجماعة سيوفر لهم بيئة تتحضن ردود أفعالهم التى من المتوقع أن تجنح للعنف الذى صار ملازماً لأصحاب هذه الأفكار.
لقد نجحت الثورة فى الأيام الأخيرة عندما مارست رحابة الصدر مع شباب الشرطة، فكان المكسب الكبير الرائع بانضمامهم إلى صفوف الثورة وحمايتها، بل وخدمتها بتوزيع المياه والمثلجات فى ساعات الحر اللاهب، وكانت بالفعل لقطات مؤثرة تساعد على تجميع الشتات الوطنى، ومِن مهام الثورة معالجة هذا الشتات.
وما كان من المستحب أن تستهل الثورة عهدها الجديد بإغلاق عدد من القنوات الإسلامية، حتى مع الاتفاق على دورها التخريبى، لأن الإعلاميين والصحفيين وعموم المثقفين ناضلوا عبر سنوات طويلة حتى وصلنا إلى صيغة أن تكون المصادرة عن طريق القضاء، ومن الخطر السكوت على أن يكون البت بقرار إدارى، يُخشى أن يكون ضد اتجاه آخر فى يوم آخر.
وهناك نقطة مهمة، بخصوص هذا الاستنكار الحاد من أمريكا للثورة المصرية التى هى من أفضل ثورات التاريخ الإنسانى ولم يعلق بها العنف إلا من أعداء الثورة، فيصمها الأمريكيون الآن بأنها إنقلاب عسكرى ضد أول رئيس منتخب! وأن الثورة، يا حرام!!، ألقت القبض على أكثر من 300 إخوانى من أول يوم!! وهو موقف مرشح للتصعيد، بعد أن تكشف للجميع من كان يحقق مصالح أمريكا وإسرائيل فى وقت كان يتهم فيه المعارضة بأنهم عملاء لأمريكا!!
كل هذا أدعى للتفكير بجدية إلى اللجوء إلى استفتاء الشعب على خارطة طريق واضحة يبدى فيها الشعب رأيه فى عزل مرسى وفى ترتيب الأولويات وتحديد ألية المستقبل القريب، وأن يتم ذلك فى أسرع وقت وبينما روح الثورة متأججة. حتى يعلم العالم كله موقف الشعب المصرى، وحتى توأد من المهد مؤامرات بدأت تطل برأسها.
لقد قام هذا الجيل الرائع من شباب مصر بدور تاريخى مبهر أثمر هذه الثورة العظيمة التى هى فى طور الميلاد وفى حاجة إلى حماية ورعاية حتى تنمو وتنطلق بعد أن تسَلَم من أعداء الداخل والخارج، وعلى الأجيال الأكبر أن يفيدوا بخبراتهم بما لا يجور على حق جيل الشباب فى تصدر المشهد وفى جنى ثماره.
لقد صدحت شعارات جميلة كثيرة فى ميادين مصر، وكان من أجملها: «المرة دى بجد، مش ها نسيبها لحد».