مرسى وجماعته لم يعرفوا أنهم يحكمون شعبًا مختلفًا من الصعب أن يُستبدّ به بعد الآن
قامت 32 مليونية لم يستجِب الرئيس المعزول لأى من مطالبها وأخذ يوزِّع المناصب على الأهل والأقارب
العَوْد أحمَدُ يا مصر، من ظُلمة القرون الوسطى، إلى انفراجه من الضوء على المستقبل، العود أحمد، من قبضة الحكم الدينى، إلى مسافة غير بعيدة عن الحكم العسكرى، ولكن هناك أملًا أن تزداد هذه المسافة اتساعًا، وأن نصل إلى شكل الدولة التى نسعى إليها. اليوم هو اليوم الرابع للثورة، يوم المواقف المتناقضة، من غضب شديد إلى فرح هستيرى، أفاق الجميع من الذهول الذى أصابهم بعد خطاب الرئيس، وهبطوا جميعًا للميادين فى انتظار اللحظات الأخيرة لحكم الإخوان المسلمين، لحظات فريدة ستكون علامة فارقة فى التاريخ، ودرسًا بليغًا لكل رئيس قادم، وعلى العكس من فرحة المصريين العارمة كتب عصام الحداد مستشار الرئيس السابق تغريده بليغة بالإنجليزية على صفحات «توتير» يرثى فيها نفسه وجماعته ليقول إن هذه هى كلماته الأخيرة قبل وقوع الانقلاب العسكرى، وكان عليه أن يقول «وقبل سقوط الجماعة»، وأصدر الرئيس السابق فيديو مصورًا، آخر إصداراته، يردِّد فيه الكلمات نفسها دون كلل أو ملل، ولا بد أنه لا يزال يردِّدها حتى الآن دون أن يدرك أن التاريخ قد تركه ومضى؟ ولكن أى تغير حادّ حدث للمصريين، ما الذى أغضبهم من الإخوان إلى هذه الدرجة، وجعل من الرئيس أكثر الرجال وحدة، بلا سند تقريبا إلا من جماعته؟ ما الذى جعل المصريين يحتشدون فى هذا المشهد العظيم ويقعون فى غرام الجيش والشرطة، حتى الشرطة؟!
المشكلة أن الرئيس وجماعته لم يعرفوا أنهم يحكمون شعبًا مختلفًا، فى حاجة إلى ديمقراطية حقيقية، ومن الصعب أن يُستبدّ به بعد الآن، فقد اعتقدوا أنهم بعد أن فازوا بالصناديق أنهم قد امتلكوا مصر وجعلوها رهينة لهم، وانتابهم نوع من الغرور والتباهى بحيث اعتقدوا أن بقية القوى الوطنية قد مُحِيَت من أمامهم لمجرد أنهم خسروا أمامهم، لم يعترفوا بأى نوع من المشاركة، ونكث الرئيس بكل وعوده التى بذلها لهم، ولم يأخذ برأيها فى أى من أمور الأمة، حتى الشكلية منها، وقامت 32 مليونية لم يستجِب لأى من مطالبها، وأخذ يوزِّع المناصب على الأهل والأقارب وهم على شاكلته، خالون من أى نوع من الكفاءة، من ذا الذى يتصور أن رئيسًا حصل شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة يعود لوطنه وهو لا يجيد التحدث بالإنجليزية؟ أين كان يختبئ خلال هذه السنوات؟
سُرقت مصر منا، وشُوِّهَت أهداف الثورة، وفُرضت عليها أيديولوجية دينية جديدة علينا، وخرج القتلة من جحورهم ليعيدوا فتح مصر الكافرة من جديد، ولم يفهم مرسى حتى فى لحظاته الأخيرة أن الديمقراطية ليست فقط صندوقا من خشب، وأوراقًا يتم إحصاؤها، ولكنها فى الحفاظ على معالم الدولة المدنية والتوازى بين قواها، وحماية الأقليات مثل المرأة والأقباط، وإقرار دولة القانون، ولكن مرسى دخل فى عداء مع الجميع، فلم يبالِ بأحد هو يضع تشريعاته ويوزع مناصبه، كأن الأرض خالية إلا من جماعته.
أميَزُ ما حدث، أن سقوط الإخوان فى مصر سيقوِّض من مصداقيتها فى الدول الأخرى التى يسعى فيها الإخوان للحكم، فقد أثبتوا أنهم غير أكفاء لممارسة تجربة الحكم، وأن رؤيتهم المتخلفة لا تتفق مع الواقع المعاصر، وأننا يمكن أن ننقذ تونس واليمن وليبيا من الوقوع فى المصير نفسه. لقد دفعنا ثمنها غاليًا من تاريخنا واقتصادنا وأمننا الاجتماعى، ولكن كان لا بد من دفعه حتى نقضى على كل الأوهام المتعلقة بتجربة الإسلام السياسى التى يجيد الإخوان التخفى خلفها.
يوم انتصار الثورة هو أجمل أيامها، ولكن المشكلة دائما فى اليوم التالى للثورة، فى القدر الذى يبعدنا عن الفوضى والرغبة فى الثأر والانتقام، أن الجيش يقوم بحركة واسعة للقبض على قيادات الإخوان المسلمين، وقد أغلق بالفعل كل القنوات التى كانت تحرض على العنف والقتال، وهو يُخلِى الميادين من أنصار النظام السابق بعد أن يتأكد أنهم لا يحملون سلاحًا، وكلها محاولات لمنع حرب الشوارع، ووقوع ضحايا جدد من الجانبين، وحتى نطفئ نار الحب الأهلية فى مهدها، وهو عمل جليل، أرجو أن لا يتحول إلى رغبات انتقامية، فليحاسَب كل واحد على قدر جريمته، إذا كانت هناك جريمة، وعلينا أن نصل سريعًا إلى صيغة للمصالحة الوطنية، وإلى خطة ننقذ بها البلاد من حالة الفوضى التى تنشأ بعد كل ثورة، وأن لا نُسكِت صوتًا مخالفًا أو ناقدًا، وأن ننبه القوى السياسة إلى أننا نقف على مسافة غير بعيدة من الحكم العسكرى، وعلى كل فصيل سياسى أن يُخفِى أطماعه السياسية وصراعه على السلطة، وأن يفعل ذلك وخروجه عن خط الجماعة الوطنية، فالاختلاف سيقوِّى من قبضة العسكر على السلطة، ولن نقوى على مواجهة تدخُّله. إنها مرحلة دقيقة استطعنا فيها أن نزيل نظامًا لا نريده، وبقى علينا أن نعمل من أجل الوصول إلى النظام الذى نريده، وأرجو من رجال الشرطة وهم يوزِّعون جماعة الإخوان على الزنازين الانتباه إلى أن فيها كثيرًا من شباب الثورة سجنهم نظام مرسى بلا ذنب ويستحقون الحرية فى أسرع وقت.