أمهل بيان القوات المسلحة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة ثمانى وأربعون ساعة من أجل التوافق وإلا فإن القوات المسلحة سوف تتدخل وتضع خريطة طريق لإخراج مصر من أزمتها الراهنة. مرت الساعات ثقيلة على المصريين، فالرجل الذى أضاع مهلة الأسبوع التى سبق وحددها بيان الجيش، لا يتوقع منه أن يستغل المهلة الجديدة لتحقيق توافق بدا غائبا ومفتقدا لدى مؤسسة الرئاسة والجماعة. لم يتوقف مرسى ولا جماعته أمام ضخامة أعداد المتظاهرين، فضلًا عن الاستقالات المتتالية من وزراء ومسؤولين من غير أعضاء الجماعة ورفاقها من تيار الإسلام السياسى. استقال المتحدثان باسم الرئاسة، ومن بعدهما المتحدث باسم الحكومة ثم وزراء، ورغم ذلك لم يظهر أى رد فعل من الجماعة، ومع اقتراب نفاد زمن المهلة التى حددها الجيش، فجأة ودون مقدمات وجه الدكتور مرسى كلمة متلفزة إلى المصريين، خلاصتها أن ثمن رحيله سيكون حرق مصر، عنفا شديدا، دماء وأشلاء، ربما حربا أهلية، هدد مرسى المصريين بفقدان الأمن والأمان والدخول فى نفق مظلم «ضيق» فى حال رحيله عن الكرسى، تحدث مطولا عن الشرعية الممثلة فى شخصه كرئيس مدنى منتخب، كرر كلمة الشرعية نحو ٧٥ مرة، رأى بقاءه فى السلطة عامل استقرار وأمن، ورحيله يقود إلى فوضى، فوضى جديدة من نوع مختلف غير تلك التى حذر منها مبارك قبل رحيله، فالفوضى التى حذر منها مبارك هى تلك الفوضى التى سوف تنشرها جماعة الإخوان المسلمين، أما الفوضى التى يحذرنا منها مرسى فهى فوضى مبرمجة ومخططة من قبل الجماعة، فوضى تعصف بالاستقرار وبأمن وأمان المصريين، مبارك حذر منها على أساس أن غيره سوف يقوم بها وأنه ضمانة للاستقرار وعدم الوقوع فى الفوضى. أما مرسى فقد هددنا بنشر الفوضى فى ربوع البلاد، ما قاله مرسى هو تهديد واضح بأن جماعته سوف تقوم بنشر الفوضى واستخدام العنف ضد الجميع، ضد الدولة ومؤسساتها، ضد القوات المسلحة، ضد الداخلية، ضد المصريين جميعا. وإذا أمْعنا النظر فى كلمة مرسى المتلفزة مساء أمس الثلاثاء فسوف نجدها كلمة تهديد بنشر الفوضى والدماء والأشلاء فى ربوع مصر فى حال إجباره على التنحى، نفس الأسلوب الذى استخدمته الجماعة مع المجلس العسكرى مرتين فى مواقف فاصلة، المرة الأولى عندما أراد المجلس العسكرى تحقيق التوافق بتعيين رئيس وزراء من التيار المدنى إبان المرحلة الانتقالية (البرادعى، موسى) هنا هددت الجماعة على لسان سعد الكتاتنى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحرق مصر، وهو ما دفع المجلس إلى التراجع عن هذه الخطوة حقنًا للدماء ورضوخا لرغبة الجماعة. المرة الثانية كانت عندما جرى تأجيل موعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية لحين النظر فى شأن المخالفات التى ارتكبت خلال العملية الانتخابية، وأبرزها بطاقات المطابع الأميرية المسودة، ومنع قرى مسيحية بالكامل فى صعيد مصر من التصويت، هنا خرج مرسى وجماعته وعقدوا مؤتمرا صحفيا فى الرابعة فجرا أعلنوا فيه نتيجة الانتخابات قبل أن تنتهى عملية الفرز، وطالبوا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعلان فوز مرسى بالمنصب وإلا سوف يتم حرق مصر، ودفعوا بالآلاف إلى الشوارع لاستعراض القوة، وتدخلت أطراف دولية على رأسها واشنطن وطلبت من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلان فوز مرسى وهو ما كان.
عام قضاه مرسى فى السلطة مزق فيه البلاد وقسمها، بدأ عملية طمس هوية مصر، حوَّل مصر إلى دولة راعية للإرهاب فى عيون عواصم غربية عديدة، أهان مصر إهانات بالغة وأدخلها فى أزمات متتالية مع دول عربية وأجنبية.
المهم أن مرسى والجماعة والأهل والعشيرة تعاملوا باستهانة شديدة مع محاولات القوات المسلحة لإيجاد حل للأزمة السياسية الحالية، حماية مصر وتأمين المصريين، فجاءت كلمة مرسى المتلفزة محملة بتهديدات واضحة بنشر الفوضى ودفع البلاد إلى حرب أهلية، قال إن رحيله سيؤدى إلى إدخال البلاد فى نفق ضيق مظلم، وهدد المصريين بنشر الدماء والأشلاء، الأمر الذى أثار حالة من الحيرة الشديدة لدى المصريين، هل الرجل الذى يجلس على كرسى الرئاسة طبيعى ومتزن، أم به خلل عصبى وربما عقلى شديد؟ هل يمكن لرئيس أن يخرج على شعبه ويقول له أنا أو الحرب الأهلية؟ عموما لم يتأخر الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى الرد على خطاب الرئيس بالقسم بأن حياته وحياة أفراد القوات المسلحة ثمنٌ للدفاع عن الشعب المصرى ضد كل متطرف، متعصب وإرهابى أو جاهل. لا كلام بعد ذلك، فالجماعة التى قررت إدخال البلاد فى حرب أهلية لن تكون جزءا من مصر الغد، وربما يلحق بها حزب الحرية والعدالة وغيره من الأحزاب الشقيقة.