١
كان الإخوان يعرفون بـ٣٠ يونيو من قبلها بزمن كافٍ، وكان لديهم خطة لمواجهتها. بدأت بخطاب الساعتين والنصف الذى ألقاه رئيسهم فى حضور وزير الدفاع ووزير الداخلية. تعتمد هذه الخطة على المماطلة وتفريغ الاحتجاجات من مضمونها. لكن هناك عاملين تَسبَّبا لهم فى مفاجأة، أحدهما هو الحضور الشعبى الطاغى فى مظاهرات ٣٠ يونيو. هذا أذهلهم وأذهل العالم، لكنه على الرغم من ذلك لم يكن ليغيِّر خطتهم الرامية إلى مد الأزمة السياسية حتى حلول رمضان.
إنما العامل الآخر الذى لم يحسبوا حسابه، فهو مهلة الـ٤٨ ساعة فى بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة. لقد سحبت المهلة من الإخوان العنصر الرئيسى الذى بنوا عليه خطتهم المضادة، عنصر الوقت. لذلك كانت مشكلة مرسى الحقيقية فعلًا مع هذا الإنذار، وكان مطلبه الحقيقى فعلا سحب الإنذار.
لذلك لم يتوجه بخطابه إلى الشعب، بل تَوجَّه إلى أتباعه وإلى العالم الخارجى، بكلمة واحدة يائسة: الشرعية.
٢
كنا نضحك على عمّ أيوب فى مسرحية «الجوكر»، لأنه رجل مُسِنّ، ويسير بالكاد، لكنه يرفع يديه إلى السماء ويقول جازما: «ربنا أخد منى كل حاجة وادَّانى الصحة».
نضحك لأننا نراه يتباهى بأبرز نقاط ضعفه التى نراها بأعيننا، أنه مهكَّع ولا يستطيع أن يمشى.
لم نكن ندرى أننا سنرى نفس الموقف، ولكن بمأساوية، مع الرئيس الإخوانجى، الذى خرجت الجماهير ضده بعد سنة من حكمه لأنه منذ أيامه الأولى انتهك الشرعية التى تجمع حاكمًا بشعبه، وتجعلهم يتقبلون أن يضعوه على قمة السلطة. انتهك شرعية توفير الأمن، والمساواة بين المواطنين لا التحريض عليهم، وتوفير الحاجات اليومية. انتهك شرعية القضاء بحصار المحكمة الدستورية ومنعها من أداء عملها. انتهك شرعية دم المواطنين مع أنصاره الذين عذبوا الناس وقتلوهم على أبواب «الاتحادية»، وانتهك شرعية الحكم بإعطاء نفسه سلطات لا تحقّ له.
والأهم من ذلك أنه فقد شرعية الحكم بخروج أكبر تجمُّع مصرى ضده.
لكنه رغم ذلك اختار أن يتحدث عن الشرعية. أن يذكرها عشرات المرات فى خطاب له ما بعده. اختار أن يستخدم شرعيته المفقودة للتسبُّب فى اقتتال أهلى.
صارت الجملة كالآتى: مسؤول فاقد الشرعية، يتحجج بالشرعية، لكى يقود البلد إلى حرب أهلية.
هذا الحديث عن الشرعية، وهى بالنسبة إلى أنصاره «الأحقية بالسلطة»، ليس جديدًا. هذه هى الكلمة المستخدمة طوال التاريخ الإسلامى الدموى الذى لم تهدأ الحروب فيه أبدًا، بين فِرَق كل منها يدَّعى «الحق»، يدَّعى «الشرعية»، يدَّعى «الأحقية بالسلطة».
والإسلامجية أبَوْا بعد أن أرونا طوال سنتين كذبهم، وفشلهم، وانتهازيتهم، وجشعهم، وأثرتهم، وأنانيتهم، أبَوْا إلا أن يعطونا عينة من دمويتهم أيضًا، لكى تكون الحزمة كاملة مكملة، علَّنَا نتعظ ونتعلم ونحن نرى التاريخ أمام أعيننا.
ثم إن الناس لا تعيش فى حياتها لكى تحقق الشرعية. إن أرْضَيْت الناس تحققت الشرعية. إن لم تُرضِهِم ضاعت.
الشرعية مكتسَبة، لا حق طبيعى. وكل مكتسَب منزوع لو لم يُوَفَّ حقَّه.