نجد فى الطبيعة أشياءً غريبة، «دولفين» يقود سربا من الدلافين للانتحار، حوتا يقود جماعة الحيتان نحو الموت، ولكن الأعجب كان من رجل أمريكى اسمه «جيم جونز» أسس جماعة دينية أطلق عليها «معبد الشعوب»، ثم كان أن أخذ أفراد جماعته إلى الأحراش، وعاش معهم فى أحلام وردية، فهم فى عقيدتهم الذين سينشرون السلام فى العالم، وسيخلصونه من الأشرار، كانت السمة الطاغية على الجماعة هى السمع والطاعة بصورة مطلقة لجيم جونز سيدهم ومرشدهم، لا أحد يفكر إلا من خلاله، وفى عام 1978 قال لأتباعه: سنقوم بعمل عظيم يرضى الله، إن القوات الأمريكية تريد أن تقضى علينا لتستأصل أفكارنا، ونحن سنثبت لهم أننا أهل الحق، سننتحر وستنتشر فكرتنا بعد انتحارنا، لأن الناس سيعلمون أننا أبطال، فإذا بالأتباع ينتحرون، مات يومها أكثر من تسعمائة إنسان!
خلق الله لنا عقولا وأعينا وآذانا، وطلب منا أن نستخدمها، ولكن بعضنا آثر أن يُغلق عينيه، ويصم أذنيه، ويسلم عقله لغيره ليفكر بدلا منه، لذلك قال الله سبحانه وهو يذم الإنسان الذى يفعل ذلك «لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل * أولئك هم الغافلون» وما ذم الله هذه الخصال إلا لأنها تسلب من الإنسان حريته فيكون تبعا لسيدٍ يأمره وينهاه، فلا يفكر إلا كما يفكر سيده ولا يرى ولا يسمع إلا بعين وأذن هذا السيد، هذا هو مجتمع العبيد، حيث تنهزم طائفة العبيد نفسيا أمام السيد، فترى أنه المُخَلـِّص، وأن ما يقوله هو الصواب، فإذا قال أحد من غير سادتهم كلمة حق تخالف قول «السيد» فإنها عندهم باطل، وإذا اصطفت الجماهير بالملايين ناقمة على سادتهم، دلس عليهم السادة وقالوا: «إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون» ساعتها لن ترى أبصارهم إلا إنهم شرذمة مستأجرة من أجل محاربة دين سيدهم الذى هم عليه، فإذا ارتفعت أصوات الجماهير غاضبة منهم ومن سيدهم فأصبحت كالهدير «جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوْا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا» هم فى الحقيقة لا يسمعون إلا سيدهم ولا يفهمون إلا منه ولا يرون غيره، ولكن هل سيكون سادتهم معهم يوم القيامة عندما يقفون بين يدى الله سبحانه وتعالى؟ هل سيدافعون عنهم كما دافعوا هم عنهم فى الحياة الدنيا؟ هذا هو اليوم الذى يفر فيه المرء «من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» سيقول كل واحد من سادتهم لهم فى هذا اليوم: نفسى نفسى.
كن على يقين أنك ستأتى أمام الله يوم القيامة وحدك، ليس معك إلا عملك، لن تصطحب معك آنذاك جماعتك أو أهلك أو عشيرتك لتنوب عنك فى الحساب، ولكن كلهم «آتيه يوم القيامة فردا» فلا يجمح خيالك ويسول لك أنه فى هذا اليوم سينادى مناد من قبل الله قائلا: فليتقدم الممثل القانونى لجماعة كذا أو كذا حتى يُحاسب نيابة عن جماعته، ولا تغرق فى الأحلام وتركن إلى خيالك الجامح فتظن أن مسؤولك أو سيدك الأعلى سيخرج من عند الله وسيقول لكم: أبشروا فقد أدخلنا الله جميعا الجنة صالحنا وطالحنا لأننا كنا جماعة تدعو إلى الإسلام، لن نسمع يومها من يصيح فينا: فلتتقدم دولة مصر للحساب، أو تتقدم جماعة الإخوان، الحساب لا يكون للدول ولا الجماعات ولكنه يكون للأفراد الذين فى الدول والجماعات، الله يا أخى لا يحاسب حسابا جماعيا بحيث الحسنة تعم، لا والله ليس هذا هو الإسلام الذى عرفناه فأحببناه واعتقدناه، ولكننا عرفنا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن كل واحد من بنى آدم سيسأل أمام الله سبحانه عن عمله، فإذا ترتب على أوامر سادتهم لهم إهدار الدماء التى هى عند الله أعظم حرمة من الكعبة، فإنهم سيتحملون كفلا منها «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره».
وفى يوم الفصل بين الخلائق سيكون المشهد رهيبا عندما تقف طائفة العبيد لتقرأ كتابها، سيرى كل واحد منهم ذلك اليوم الذى أطاع فيه سادته فارتكب إثما، حتى ولو كان بزعم الدفاع عن الإسلام، فالإسلام لا ندافع عنه بالذنوب والخطايا والتفريق والتحريش بين الناس، سيرى هذا العبد الذى أغلق قلبه وسمعه وبصره وهو فى الحياة الدنيا ذنوبا وآثاما لم ترد على باله، حينئذ سيعلم أن السادة أضلوه، وهو استجاب للضلالة حينما أغلق عقله وسلمه لهم، لا تظن يا أخى أن هناك ظلما عند الله فـ«لا ظلم اليوم» أنت ارتكبت الضلالة بإضاعتك نعمة التفكير والتدبر وإعمال العقل فلا تلومن يومئذ إلا نفسك، هل تعرف يا أخى ما الذى ستقوله لله ساعتئذ؟ اقرأ القرآن لتعرف، فكر وحدك دون أن يهيج ضميرك جماعة أو مجموعة، فرب العزة أمرنا أن نفكر فرادى، لأن الركون إلى التفكير الجمعى لن يصل بك إلى الحق، اسمع أو اقرأ أو افهم يا من عبدت نفسك للناس قول الله سبحانه «إنما أعظكم بواحدة * أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا» الحد الأقصى للإنسان وقت التفكير هو أن نكون مثنى، والحد الطبيعى هو أن نكون فرادى، لأن التفكير الجمعى يورث الضلال.
ترى ما الذى سيقوله العبيد لله سبحانه وتعالى يوم القيامة، سيقولون «ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا» لن يعتذر العبيد لله إلا بركن الطاعة، والثقة فى السادة، سيتهمون أنفسهم بالغفلة، سيبكون أمام الله وهم يقولون: إن مشكلتنا كانت فى السمع والطاعة، لم نعقل ولم نفهم ولم نستخدم التفكير ونحن مثنى أو فرادى، وضعنا عندما فكرنا تفكيرا جمعيا.
هذا هو حال من جعل من نفسه عبدا لسيد يقوده ويضعه كيف يشاء وكما يشاء، ولكن هذه الكلمات لن تصل إلى من أعنيهم، فمن أعنيهم استمرأوا العبودية وظنوها دينا.