حار الناس بالأمس بعد خطاب مرسي فيمن يحلله؛ هل يحتاج إلى محلل سياسي أو إلى محلل نفسي، لكن الأمر بالنسبة لي كان محسومًا؛ فلا بد من قراءة الأمر وفق تصور الجماعة للحياة ذاتها؛ إنهم يعيشون الآن بمنطق من عاشوا عصر الذبائح الممتد من حرب حيازة السلطة بدءًا مما كان ضد الإمام علي بن أبي طالب، ومرورًا بذبائح حرة واقم ودير الجماجم ومرج راهط وموفعة الزاب، وبقية دولة الدم التي لا تشبع إلا بنا نحن الفقراء الكادحين قرابين من أجل سلطان يحكم باسم الله عز وجل، فيما هو على الحقيقة يدفع بالمصحف الشريف بعيدًا بعد القسم عليه وهو يقول: "هذا آخر عهدنا بالمصاحف".
إن أية دراسة تهمل أن جماعة الإخوان تسكن كهف الدم وتريد إعادة انتاج آلياتها قاصرة تمامًا، على دقة نتائج التحليل السياسي؛ ومنها أن جماعة الإخوان تُلقي بورقتها الأخيرة، ومنها أن الجماعة تنتحر سياسيًّا؛ التهديد دون قدرة على تنفيذه، ومنها تأكيد غياب مفاهيم إدارة البلاد، وعلى دقة نتائج التحليل النفسي، ومنها أننا أمام شخصية مضطربة خائفة مشوشة تحولت من حالة الإنكار إلى حالة التخبط...
لكن، ما فائدة قراءة خطابات الجماعة المتناثرة بهذا المنطق؟ أقول: إن هذه القراءة ستقودنا إلى النتيجة المذهلة: آن لهذه الجماعة الخارجة عن سياق التاريخ أن تنتهي، فهي تعيش في زمن غير زمنها، والغريب أنها لا تملك ما ملكه أمثالها؛ فالحشاشون كانوا ذوي قوة وبأس وتنظيم وعصمة في قلعتهم "ألموت" والحجاج بن يوسف كان محاربًا فطنا وسياسيًّا أريبا، وأبو مسلم الخراساني كان ذا همة لا تُرَد... لكن
إن بنية الكون التي خلقها الله تاريخًا وجغرافيا وإنسانية سرعان ما تلفظ مفسديها وإن حكموا وعلوا في الأرض؛ فكيف كانت نهاية يزيد بن معاوية صاحب كربلاء وحرة واقم؟ وكيف انتهى الحجاج؟ وكيف هوت قلعة ألموت؟
وكيف سقط الخراساني تحت أقدام المنصور؟
انظروا الآن إلى خطابات الجماعة، واربطوا بين كل أقوال كل شخصية وأفعالها وبين ما جرى في التاريخ؛ فها هو الرئيس الذي حنث بقسمه وقال ساخرًا: سأصوم ثلاثة أيام. يقول: لقد التزمت بقسمي... ألا يذكرك بعبد الملك بن مروان وهو يؤمِّن سعيد بن العاص ثم يذبحه بيده صارخًا: اشهدوا أنني أول من غدر بعهد أمان. وأنشد:
أدنيته منّي لآمن مكـره فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا و محمية لديني أنّه ليس المسيء سبيله كالمحسن
في كتابه الرائع "أيام لها تارخ" ذكر أحمد بهاء الدين أن الإنسان يتميز عن الحيوان بأنه ذو تاريخ؛ فمنذ العمران والفأر يتجه إلى قطعة الجبن داخل المصيدة نفسها التي قتلت آباءه وأجداده. أما الإنسان فهو لا يكرر خطأه، وإن كرر الخطأ كانت النتيجة في كل مرة أعظم.
أقول لكم: على رغم توقعي أن الجماعة لن تخرج إلا بهذا الخطاب، خصوصًا بعد أن أطلقت جماعات الدم القليلة لتقاتل المصريين تمهيدًا للخطاب، وجزءًا أول منه (كما يفعل العرب قديمًا؛ فيدفعون سفيهًا للاعتداء على خصمهم، ثم يجلس حكيمهم وقد ارتكن على خوف الخصم من تكرار الاعتداء لذلك قالت العرب: ذل قوم لاسفيه لهم) فإنني حزنت واستبشرت؛ حزنت لأن رجالاً حصلوا على شهادات علمية عالية يعيشون بنفس منطق عصور الدم البائدة، واستبشرت؛ لأن هذا الشعب سينتصر بأسرع ما يتخيل أحد؛ ولن يبقى من هذه الجماعة من يعبر عنها أو يحمل أفكارها... ولنا أن نطبق الدرس المستفاد من هذا: لنقرأ تاريخنا ولنطور حاضرنا، ولنمد يدنا للجميع كما علمنا صحيح الإسلام الذي تعلم من كل الحضارات التي سبقته، وتعلمت منه كل المدنيات... ولن يقدر على إعادة صحيح الإسلام إلا نحن... خير أجناد الأرض أبناء مصر درة الدنيا وزينتها.