أحال بيان القوات المسلحة ميدان التحرير، ليلة أمس، إلى مناسبة احتفالية كبرى، حيث أخذ الجميع يهنئون بعضهم البعض، بعد أن تبدت أمامهم ثمار غضبتهم الكبرى التى ارتجت لها كل شوارع وميادين البلاد.
لقد جاء بيان القوات المسلحة متحدثاً عن خارطة طريق تمضى بالبلاد إلى المستقبل المشرق الذى نتطلع إليه، بعد أكثر من سنتين بدأت بالتخبط والتراجع وانتهت بالاستقواء والاستبداد الذى أعادنا مرة أخرى إلى الأوضاع التى كانت سائدة قبل يناير 2011.
إن نزول الجماهير بهذا الشكل غير المسبوق بطول البلاد وعرضها لم يكن من الممكن تجاهله، وإن كنا لم نجد على مدى الأيام الأخيرة أى استجابة من جانب نظام الإخوان الحاكم، وهو ما يذكرنا برد فعل النظام البائد، خلال الأيام الأولى للثورة، والذى تجاهل تماماً مطالب الثوار، وحين قرر التعامل معها كان قد فات الأوان.
لكن البيان جاء ليعبر عن يقظة القوات المسلحة وإدراكها لدورها الوطنى، وليجنب البلاد تكرار هذا الوضع البائس مرة أخرى، محدداً الطريق الذى ينبغى أن تمضى فيه الأمور حتى نتفادى التخبط والعشوائية اللذين اتسمت بهما المرحلة الانتقالية الأولى.
لقد طمأن البيان الجماهير فى الشوارع والميادين إلى أن لديه خارطة طريق واضحة، وأن هذه الخارطة تقوم على الاستجابة لإرادة الشعب، وقد وضحت تماماً هذه الإرادة من خلال الملايين التى خرجت تطالب برحيل نظام الإخوان، وبتشكيل حكومة جديدة، وبوضع دستور يليق بمصر وبتاريخها الدستورى.
وبهذا المعنى فإن بيان القوات المسلحة كان كثمرة مباشرة لهذا التحرك الجماهيرى العارم، الذى اتفق المراقبون الدوليون على أنه الأكبر فى تاريخ البشرية، وإذا كان البيان قد تحدث عما غاب عن حديث الرئيس، وهو الاستجابة لإرادة الشعب، فإن البيان نفسه كان أول هذه الاستجابة، فقد كانت الجماهير تطالب به، لإدراكها أن إرادتها كى تتحقق يجب أن تتكامل مع موقف قواتها المسلحة ذات التاريخ الوطنى المشرف.
إننا لم نصل إلى نهاية النفق المظلم بعد، لكن بيان القوات المسلحة أظهر أمامنا الضوء الذى فى نهاية النفق، ولن تستطيع الخفافيش التى تسكن ظلام النفق أن تعترض تقدم الشعب نحو هدفه، بعد أن التحمت إرادته بدعم قواته المسلحة.