إنه لمشهد تاريخى حقاً أن يخرج نصف الشعب المصرى «50 مليوناً» إلى الشوارع والميادين يطلبون الحرية ويقررون استرداد السلطة لتصبح فى أيديهم، باعتبارهم مصدر السيادة والقوة والشرعية، ويعلنون قرارهم الأول بعزل الرئيس مرسى غير الشرعى، وسقوط دولة المرشد وجماعة الإخوان بلا رجعة.
فعلاً لقد انتصر الشعب المصرى على القهر والظلم والاستبداد، متطلعاً إلى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، مؤكداً أن العصمة بيده من يوم 25 يناير 2011، وأنه خرج من بيته ونزل إلى الشوارع والميادين فى 30 يونيو ليعزل مباشرة هذه الطغمة الحاكمة التى سعت استبداداً وفساداً واهتمت بالسيطرة والانفراد بالسلطة والتمكين والاستحواذ على كل مفاصل الدولة وتقسيم الشعب، وإدارة الدولة بالفتن والمؤامرات والأعمال القذرة لتفكك إن لم تتمكن. ومن هنا تفجرت الأزمات، وأعطى الشعب لهم الفرصة طوال 5 أشهر لبرلمان الإخوان «يناير - يونيو 2012»، ولرئيس من طرفهم طوال عام كامل «30 يونيو 2012 - 30 يونيو 2013».
لقد اتهموا هذا الشعب بأنه متآمر عليهم ويحقد عليهم.. ولا يدركون أنه كرههم بعد أن أعطاهم الثقة مؤقتاً على حين تصوروا أنها ثقة أبدية على أساس نظرية السلم، حيث صعدوا أولاً ثم سحبوه حتى لا يصعد أحد غيرهم!!
لقد تعاملوا مع هذا الشعب على أنه مرتش.. فقدموا للمحتاجين السكر والزيت فى حقائب بين آن وآخر على خلفية أن الرشوة التى يقدمونها يحصلون على عائدها بدعم الشعب وتأييده لهم، ومن ثم خاطبوا فى هذه الشريحة من الشعب غرائزهم ولا يدركون أنها مؤقتة، ولا يدركون أنهم بذلك يهينون هذا الشعب ويسبونه ويتعاملون معه على أساس أن أفراد الشعب سبايا وعبيد لهم!!
ولم يقدموا نموذجاً أخلاقياً فى إدارة شؤون الحكم وقواعد الوصول للسلطة من خلاله، بل سلكوا سلوكاً انتهازياً قائماً على النفاق والرشوة. فأين مبادئ الدين الذين يزعمون أنهم يسعون لتطبيق شرائعه. من هذه الزاوية فقد اكتشفهم الشعب المصرى بعبقريته، فبعد أن أعطاهم الثقة مؤقتاً، سرعان ما اكتشف زيفهم وخداعهم وكذبهم، وأن ما يسلكونه خارج الدين والمبادئ والتقاليد والثقافة المصرية الضاربة فى تاريخ طويل قد يصل إلى عشرة آلاف سنة.
وقرر هذا الشعب العظيم تصحيح خطئه واستعادة زمام أمره وإلغاء هذا التفويض الذى منحه لهذا الرئيس الذى تصور أنه فرعون جديد جاء ليعيد عهد الظلم والاستبداد، ولم يدرك أن عصا موسى بيد الشعب يستخدمها وقتما شاء للإطاحة بهذا الظالم المستبد وجماعته الإرهابية الفاسدة التى سلكت نفس سلوك الرئيس مبارك ونظام حكمه وبطانته الفاسدة، فكأن الثورة جاءت لتستبدل حكم طاغية فاسد، بطاغية آخر وبطانة جديدة فاسدة!!
فالشعب المصرى مارس رقابته على الجميع منذ اندلاع ثورته فى 25 يناير 2011، ليعرف كل قائد يطرح نفسه على حقيقته ومن خلال مواقفه وسلوكه، ومارس هذا الشعب الاحتجاجات الواسعة فى كل أنحاء الوطن وقدم نموذجاً هو الأعلى فى إعلان غضبه واعتصامه وعصيانه لعل من بيده الأمر يدرك، فازداد عدد الاحتجاجات فى عهد مرسى غير الشرعى وطوال عام أعلى من فترة مبارك كلها 30 سنة ثلاثة أضعاف حسب تقارير الرصد اليومية والشهرية!! والحاكم الديمقراطى هو الذى يأتى عبر إرادة شعبية سليمة، ويظل يستمع لشعبه ويستجيب له ويتفاعل مع غضبه ويقوم بحل مشاكله أولاً بأول حتى يطمئن الشعب لحاكمه فيقرر الانطلاق. أما وأن هذا الحاكم الإخوانى لم يفعل ذلك، فإن مآله هو العزل ومزبلة التاريخ.. فالشعوب، خاصة المصرى، يصبر على حكامه إلى حين، ولكن صبره لا يدوم، ويصدق عليه القول: «اتق شر الحليم الصبور إذا غضب».
الآن غضب الشعب.. وتجمعت القلوب معاً لتهتف الحناجر «يسقط يسقط حكم المرشد»، ويهتفون بأعلى صوتهم «ارحل».. ارحل يا مرسى، وهم لم يقولوا ذلك إلا لحسنى مبارك، الآن لمحمد مرسى، فهل يصر مرسى على الخلع أم التفاهم؟! ولأن جلده تخين، حسب وصفه لنفسه، أى أنه عديم الإحساس، لذلك قرر الشعب ممارسة الخلع وقرر العزل والمحاكمة ليكون هذا درساً جديداً لأى حاكم قادم للشعب المصرى. فمن أتى ليحكم ويعدل ويستجيب لمطالب الشعب ويعد فيفى، ويتحدث صدقاً بغير كذب، ويؤتمن على حاضر ومستقبل الوطن فيحميه، ويفدى شعبه بروحه بغير خيانة، فإن الشعب المصرى يرفعه فوق الأعناق ويهبه ثقة بلا حدود. أما الذى يأتى للحكم ثم يعطى ظهره للشعب ويتعامل معه على أنه قطيع من المرتشين وقد قدم له الرشوة مقدماً، فلا يجوز له أن يراجعه، ثم يؤتمر بأمر جماعته وأهله وعشيرته فقط، ويتجاهل الشعب، يثور ضده هذا الشعب ويصر على إسقاطه مهما حدث، ومن يراهن على هذا الشعب المصرى العظيم يكسب دائماً.
وقد راهنت على هذا الشعب دائماً، وقلت إنه سيؤيد حملة تمرد بـ25 مليوناً قبل 30 يونيو وحدث، وقلت إن 40 مليوناً سينزلون للشارع وحدث أكثر من ذلك، وقلت إن الشعب قرر عزل حاكمه بعد أن ثبت عدم شرعيته، وحدث وطالبت القوات المسلحة فى عدة رسائل من هذا المكان، بأن تتلاحم مع شعبها ولا تساند فصيلاً غير وطنى يسعى لتفكيك الوطن وتهديد الأمن القومى، وعلى جيش مصر أن يستمع إلى شعبه دائماً لأنه فى وحدة عضوية وتلاحم غير عادى، وقد حدث فى 30/6 ورأينا بأعيننا مدى الصياح بالتهليل لطائرات الجيش المصرى وهى تلقى بالأعلام عليهم لتعلن التأييد لهذه الثورة الجديدة..
أملى كبير فى أن هذا الشعب وجيشه الوطنى سيتلاحمان فى خلق سيمفونية جديدة تعزف لحن الدولة المدنية المصرية الديمقراطية الحديثة، وهى السبيل لإعادة بناء الوطن وممارسة دور مصر القيادى إقليمياً ودولياً، وتعويض ما فات خلال العامين والنصف منذ اندلاع الثورة فى 25 يناير 2011، وما فات أيام نظام المخلوع الأول مبارك طوال 30 سنة، لتستمر الثورة وتستمر الدروس واستخلاص العبر، حتى النصر التام بإذن الله.
ومازال الحوار متصلاً.