لا شك أن الجميع استوعب الدرس، وأيقن أن المواطن المصرى هو أهم طرف فى منظومة الحكم وإدارة البلاد، أو هكذا أصبح بعد أن تعرض لأقسى المحن والاختبارات التى أكسبته العديد من المهارات والخبرات، وقبلها إرادة فولاذية لا تلين.
يأتى الحكام ويذهبون، ويبقى الوطن والمواطنون، وتصبح المهمة الأولى والأَوْلى- فى عالم الديمقراطية الذى نحلم به- أن يحظى أبناؤنا بأعلى درجات الرعاية، ويحصلوا على حقوقهم كاملة فى تنشئة عصرية تنمى شخصياتهم وتسلحها بفهم كامل للقيم الإنسانية السامية التى أنعم الله بها علينا، وفى مقدمتها قيم الحق والعدل والخير والجمال.
علينا ألا نغامر ببلدنا مرة أخرى ونترك أنفسنا للصدفة.. على الحكومة الجديدة- أى حكومة- أن تؤكد للشعب أنها لن تغفل واجبها نحو المستقبل، وهو ما يعنى الاهتمام المطلق ببناء الإنسان، ليصبح كل مصرى حراً ومؤمناً بالديمقراطية بمفاهيمها الصحيحة.
كيف؟ التطبيقات العملية هى الحل، فبغيرها لا يتحقق الهدف.. دعونا نتصور ما يحدث لو أعطينا تلميذ المدرسة بعض الحقوق البسيطة، كى تبدأ علاقته بمفاهيم الحريات والممارسات الديمقراطية مبكراً، فلا يفرط فيها بعد ذلك أبداً.
أتمنى أن يُعلَن فى بداية العام الدراسى أن الفسحة الرئيسية تبدأ فى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وتستمر نصف ساعة، وذلك حتى يُجرى استفتاء عام بعد ستة أسابيع يشارك فيه تلاميذ المدرسة والمدرسون والإداريون والعمال والسائقون والاختصاصيون الاجتماعيون والمشرفون والناظر لتحديد موعد الفسحة بطريقة ديمقراطية.
خلال الأسابيع الستة تُقام مناظرات وتُعقد حلقات نقاش، ويَطرح كل من شاء أفكاره وتصوراته مطبوعة أو على موقع التواصل الاجتماعى.. فى اليوم المحدد تتم عملية التصويت التى لا تميز بين الجناينى والناظر وأصغر تلميذ فى الابتدائى.
أثق أن نسبة ممارسة الديمقراطية ستكون عالية جداً وأن الجميع سيشاركون فى التصويت والإشراف على نزاهة وسلامة عملية الاستفتاء، سيتعلم التلاميذ كيفية دراسة الموضوعات وتكوين رأى، كما سيتعلمون كيفية المشاركة فى المناقشات والمناظرات، ويصبحون مع مرور الوقت أكثر مرونة وأعلى تقديراً للاختلاف فى الرأى.
يحدث هذا كله فى إطار قواعد واضحة تُعظّم من مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص فى كافة المراحل وحتى تُعلَن نتيجة الاستفتاء.. كذلك يمكن سؤال التلاميذ عن المنهج الدراسى، وما يفضلون دراسته منه فى نصف العام الأول وما يفضلون تأجيله للثانى، وهو ما لا يمكن طرحه إذا كانت المادة مبنية بتسلسل لا يحتمل التعديل!
يمكن سؤال التلاميذ إن كانوا يفضلون أن تُعقد الامتحانات كل شهر أو كل شهرين، كما يجوز استفتاؤهم حول الأنشطة المدرسية الرياضية والفنية، فيختارون ما شاءوا مما يتناسب مع إمكانيات المدرسة المتاحة.. يجب أن يختار التلاميذ لون جدران الفصل التى يدهنونها بأنفسهم ومن الجنيهات القليلة التى يجمعونها، عندها سيحافظون عليها، ولا يسمحون لأحد بأن يكتب عليها عبارات وكلمات غير لائقة.
لا أعرف سقفاً للأفكار ولا حائطاً يقف فى طريقها إلا ثقافة الجمود التى لم تعد تليق بشعب يُضرب المثل بإرادته وقدرته على فرض التغيير الذى يريد.
أما المنزل، فإنه هو الآخر أحد آخر قلاع الديكتاتورية المصرية: الأب أو الأم يتقمص أحدهما دور الآمر الناهى، وعلى باقى أفراد الأسرة الخضوع التام بغير مناقشة، وهو ما أريد مناقشته مع كل من يورط نفسه ويقبل أن يكون ديكتاتوراً على أى مستوى من المستويات!
ألم تدرك أن توزيع المسؤولية- بإشراك كافة المعنيين- يخفف عنك العبء، ويزيد من فرصك فى اتخاذ القرار الأصوب؟
لهذا اخترع الإنسان الديمقراطية، واعتبرها أفضل وسيلة للحديث بنعمة العقل ونعمة الحكمة التى يؤتيها الله من يشاء، ويؤتى معها خيراً كثيراً، كما قال عز وجل فى كتابه الحكيم.