كنت على يقين من نزول الملايين استجابة لدعوة تمرد يوم ٣٠، ولكنى لا أنا ولا غيرى توقعنا هذا العدد الرهيب، الذى أذهل العالم، ولكن ماذا أستطيع القول سوى أنه شعب مصر وكفى؟ أمام بيوت مصر الجديدة ومدينة نصر، حيث أسكن رأيت مشاهد لا يمكن أن يصل إليها خيالى ككاتب. سيدات فضليات تخطين الثمانين من أعمارهن يجلسن حاملات أعلام مصر.. حاولت أن أحلل لماذا نزلن، وماذا يردن أصلا من المستقبل، الذى نزل من أجله ملايين الشباب من المصريين؟ هل من أجل مستقبل أبنائهن وأحفادهن؟
جائز، ولكن عندما أمعنت التفكير توصلت إلى أنهن خرجن من أجل مصر، التى عشن فيها الصبا والجمال والحب وصوت ثومة وحليم، رفعن الأعلام خوفا من ضياع الذكريات المدد، والسلوى فى خريف العمر.. كوربة مصر الجديدة بمعمارها الجميل الحسين ومقهى الفيشاوى فوانيس رمضان وكحك العيد كل تلك الحياة التى مرت تضيع ومصر تضيع لتحل مكانها مصر أخرى لا نعرفها بمتعصبين متطرفين أغبياء يكرهون الورد والفن والأطفال والحق والخير والجمال، ولا يعرفون سوى المولوتوف والإرهاب والدم يكفروننا جميعا، ويعتبرون المرأة المصرية، التى كانت ثانى سيدة فى التاريخ تقود طائرة، وكانت عالمة ذرة ودكتورة فى علوم الفقه والحديث -يعتبرونها- عورة ووعاءً لشهواتهم لا أكثر ولا أقل، ويضعون مكان صورتها وردة لأن صورتها نجاسة..
لأجل كل ذلك نزلن، ونزلنا جميعا رغم اختلاف توجهاتنا، لأننا أحسسنا بالخطر الحقيقى على الحبيبة مصر، واختفت كلمات ممجوجة قسمتنا كفلول وكنبة وثوار.. إلخ. لم يبق من كل انتماءاتنا سوى مصر وحب مصر، وعشق أرضها واستعدادنا للموت فى سبيلها، وفى الاتحادية التى كنت فيها منذ الرابعة رأيت مصر الحقيقية، التى تغنينا بحضارة شعبها فى ثورة يناير، نفس الوجوه المبتسمة
والأدب الجم وإنكار الذات = الهتافات التى تخرج من القلب أن ارحل يا مرسى أنت وجماعتك الفاشية، فمصر أكبر منك ومنهم
بكثير. نريد مصرنا التى خطفتموها سنة كاملة هى من أسوأ السنوات، التى مرت علينا اقتصاديا وسياسيا.. ارحلوا أيها الفشلة كحكام، ولكن إذا أردتم أن تعودوا مواطنين مصريين صالحين بلا ترويع أو إرهاب أنتم ومن يوالونكم فأهلا وسهلا. كنت واثقا من نصر الله، وجاء بيان الجيش المصرى العظيم ليؤكد ما نعتقده فيه أنه جيش الشعب ينتصر له ولإرادته، وأعطى مهلة لمرسى تنتهى عزيزى القارئ اليوم أن يرحل، أو أن يتم ترحيله، وأقول لجيشنا شكرًا لقد انتصرت لشعبك، كما أقول لمرسى (ولا أعلم مصيره فأنا أكتب المقال يوم الاثنين مساءً). لقد وعدت فأخلفت وكذبت وفشلت، ولقد قلت إذا أخطأت قومونى، وحاولنا، ولكنك عصى على التقويم. ظلمك مكتب إرشادك فظلمت مصر معك. عد إلى حجمك الطبيعى فمصر الحقيقية، التى حكمها مينا وناصر لا يحكمها مرسى.