أجمل وأروع ما رأيته فى الشارع أول من أمس هو الحب والدفء الذى نطقت به عيون المتظاهرين قبل حناجرهم متوجهة إلى رجال الشرطة، بمجرد أن يشاهد المتظاهرون واحدًا من أفرادها يعلو الهتاف «الشعب والشرطة إيد واحدة».
عشت أيام الثورة فى 25 يناير وكان الجرح غائرًا، ولكن هذه المرة وفى الساعات الأولى انضمت الشرطة إلى الثورة، وهتفت ضد مرسى والإخوان، ومن لم يعلُ صوته كان يؤدى دوره لحماية الشعب، هذا هو واحد من أهم مكتسبات 30 يونيو، الثانى هو الإعلام الرسمى، تابعت بعض البرامج واستمعت إلى الراديو، إعلام ماسبيرو شهد تغييرًا نوعيا، نعم الوزير الإخوانى ومعاونوه حاولوا فى تلك اللحظات الحرجة أن تزداد شراسة قبضتهم على مقدرات الإرسال، إلا أنه على المقابل كانت هناك إرادة فى أكثر من برنامج مرئى ومسموع لكى يعلو صوت الحقيقة، استعاد الإعلام الرسمى شيئًا من مصداقيته المفقودة.
حتى محطة الأغانى فى الإذاعة تلوَّنت بملامح الثورة، فى فقرة المساء مع أم كلثوم والتى تعودت أن تقدم أغانى عاطفية استبدلت بها على الفور «مصر التى فى خاطرى وفى فمى» و«طوف وشوف» و«أنا الشعب لا أعرف المستحيلا»، المراسلون فى المحافظات ينقلون الصورة الصحيحة للمتظاهرين الذين يطالبون برحيل مرسى. المصالحة التاريخية مع الشرطة والإعلام الرسمى أعتبرها مكسبا مهما لتمرد 30 يونيو، الشرطة والإعلام الرسمى أمن قومى لمصر.
نعم سيرحل مرسى، فهذه قضية محسومة إن لم تكن خلال ساعات فهى أيام، وكلما كان المقياس بالساعات كان هذا لصالحه هو وجماعته، مع مرور الزمن تتراكم مشاعر الغضب والمصالحة والتسامح مع الجرائم التى فعلها هو وأهله وعشيرته تُصبح مستحيلة، كلما تلكأ مرسى فى اتخاذ القرار تحولت مشاعر الغضب إلى انتقام، كانوا فى «رابعة العدوية» يتباهون بتلك التدريبات القتالية الاستعراضية لإرهاب المتظاهرين الآمنين فى كل ربوع مصر، هتافاتهم تعلو «إسلامية إسلامية» على اعتبار أن الآخَرين كفرة.
تلك هى العقيدة التى صارت راسخة لديهم والتى تعنى أن الخروج منها يحتاج إلى قدرة تتجاوز بكثير مجرد إقصاء الجماعة عن الحكم، الأمر يحتاج إلى علاج نفسى قد يطول، فهم جزء من المجتمع مها كانوا يشكلون أقلية ولكنهم فى النهاية مصريون.
عدت إلى ميدان التحرير وما أحلى الرجوع إليه، صار مشوارى اليومى الذى أحرص عليه، إنه هواء تتنفس فيه أحاسيس مصرية، توقن أن هذا الشعب لا يمكن أن يُهزم ما دام قادرا على إسقاط الطغاة سواء قبعوا فى الحكم 30 عامًا أو عامًا واحدًا.
توحدت مصر ضد الطاغية حتى لو كان هذه المرة يتدثر بغطاء دينى، فلقد أسقطنا هذا القناع ولم يعد ينطلى على المصرى البسيط الذى كان يصدقهم وينتظر منهم الخير والنهضة، فباعوا له الوهم وتجرع من أياديهم الإحباط وخيبة الأمل، الحاكم لن يستطيع الصمود فى ظل هذا الحصار، ورأيى أنه ليس مجرد مظاهرات تحيط قصر الاتحادية وتنتقل اليوم إلى قصر القبة، أبدًا ليس حصار المكان ولكن الحصار النفسى هو الأشد ضراوة، طاقة الكراهية التى فجَّرتها الملايين تتجاوز مجرد رحيله، وما يواجهه وبضراوة، هو الحاجز النفسى الذى صار يبعده عن الناس ويدفعه إلى الارتماء أكثر فى أحضان الأهل والعشيرة، أمريكا التى منحته قدرا من الثقة سوف تتخلى عنه وهى تتابع مشاعر المصريين الرافضة، إنها لعبة سياسية فهم يراهنون دائمًا فى النهاية على المنتصر.
قال مبارك «المتغطى بأمريكا عريان» وبالفعل تركوه «بلبوصا» فى 25 يناير يواجه شعبه وهو نفس المصير الذى ينتظر مرسى، مظاهرات الغضب تزداد، بينما هناك من ينتظر البيان الأول من الجيش، كل المؤشرات تؤكد أن القادم من الممكن أن يتحول فى لحظات إلى دماء تُراق على الأرض، أحالوا المصريين إلى فريقين، هناك من يسأل عن الهوية، إخوان أم ليبراليون، «تمرد» أم «تجرد»، بلحية أم بدون، بنقاب أم بدون، هذه هى مظاهر الانقسام الوطنى، أن نصبح بصدد عدوين كل منهما يتربص بالآخر ولا يرى حياته إلا فى اختفاء الآخر، ورغم بشاعة ما ارتكبه مرسى من كوارث خلال عام واحد من حكم الإخوان فإن هذه تظل هى الخطيئة الكبرى التى لا تغتفر!