لم تشهد مصر ما حدث يوم 30 يونيو 2013 من قبل، ولا حتى فى يناير/ فبراير 2011، لم تنتشر حشود المصريين بطول البلاد وعرضها بهذه الكثافة من قبل، لقد عجز الكثيرون عن الوصول إلى ميدان التحرير فى القاهرة أو إلى قصر الاتحادية بعد أن اكتظت الشوارع بالحشود البشرية المرددة لكلمة واحدة هى «ارحل!».
لقد كان الدخول إلى ميدان التحرير صعباً وكان الخروج منه أصعب، وحين عدت فى ساعة متأخرة من الليل إلى المنزل، وتابعت على شاشة التليفزيون ما يحدث خارج القاهرة، وجدت ما شاهدته فى التحرير قد حدث فى كل محافظات الجمهورية، حيث الحشود البشرية غير المسبوقة، وحيث الهتاف المشترك بين الجميع هو «ارحل!».
لكن يبدو أن الصحافة الحكومية لم تسمع ذلك الهتاف ولم تفهم الغرض من هذا الخروج الحاشد، فقد صدرت جريدة «الأهرام» أمس حاملة عنوان: «الملايين تهتف: تحيا مصر» (!!!)، وكأن هذه الملايين التى خرجت إلى الشوارع والميادين خرجت تحتفل بالعيد القومى أو بشيم النسيم ولم تخرج كى تسقط حكماً استبدادياً انهارت معه مرافق الدولة بعد أن فشل لمدة عام كامل فى إدارتها.
وإذا كانت الكلمة المشتركة بين جميع تظاهرات أمس هى «ارحل» فإن الوصف المشترك بين معظم أجهزة الإعلام الأجنبية لما حدث فى مصر يوم 30 يونيو هو Unprecedented أى «غير مسبوق».
لقد وصفت الـ«BBC» البريطانية ما حدث فى مصر يوم 30 يونيو بأنه «أكبر احتشاد سياسى عرفته البشرية فى تاريخها»، وقالت الـCNN الأمريكية «لو كان هذا صراعاً للقوى فإن ما شهدناه يوم 30 يونيو كان الضربة القاضية».
أما جوجل إيرث التى تصور المواقع بالأقمار الصناعية، فقد رصدت الشوارع والميادين التى امتلأت عن آخرها بالبشر وقدرت مساحتها وبالتالى السعة البشرية لهذه المساحات، وقالت إن عدد المصريين الذين خرجوا بالأمس يقدر بنحو 17 مليوناً، ومع ذلك وجدنا «الأهرام» تقول «حشود المعارضة تطالب بالرحيل.. وهتافات تأييد للرئيس فى رابعة» وكأن الجانبين متساويان، بينما كان أفضل وصف سمعته من أحد المتظاهرين بالتحرير حين ورد ذكر من يتظاهرون أمام مسجد رابعة العدوية هو: «دول جماعة واقفين فى إشارة، لكن إحنا ماليين الميادين والشوارع فى جميع أنحاء الجمهورية».
إن ما تشهده مصر الآن هو إعادة ميلاد، هو بعث لأمة عريقة صبرت طويلاً وخدعت كثيراً، لكنها خرجت الآن تطالب بحقها ولن تعود إلا به.