أكتب ليل الأحد مفعماً بالأمل، أكثر مما كنت فى مساء ١١ فبراير٢٠١١، وقد جريت يومها من الميدان بعد إعلان التنحى للوفاء بمقالى فى «القدس العربى». كان مبارك قد تنحى بالفعل، بينما الليلة لم تبد الجماعة الخاطفة لمصر أى فهم للشوارع والميادين المسدودة بأربعة أضعاف الذين أزاحوا مبارك. وليس من المنتظر ممن أساءوا التقدير والتصرف طوال عام أن يحسنوه فى الدقائق الأخيرة، لكنهم راحلون.
مفعم بالفرح أكثر من ١١ فبراير لأننا فى ثورة ٢٥ يناير أسقطنا حاكماً وطنياً فاشلاً بينما يحق لنا اليوم الاحتفال بجلاء احتلال تنظيم دولى أسوأ من احتلال الدول للدول، لأن القانون الدولى يرتب مسؤوليات على الدولة التى تحتل غيرها، ولم يخطر على بال المشرعين أن تسقط دولة فى يد تنظيم عابر للحدود، لهذا لم يكن لدينا أى حقوق ولم يكن لدينا منفذ للشكوى للأمم المتحدة من الاغتيالات الممنهجة للثوار ومن إطلاق يد الجماعات الإرهابية فى سيناء، ولم يكن لدينا من نشكو إليه التلاعب بالدولة المصرية ومحاولة سحق مؤسساتها تمهيداً للفوضى.
لعلها أغرب سرقة فى العصر الحديث، وقد طويت صفحة من تاريخ هذه الجماعة بيد الشعب، صفحة الوجود الهلامى الذى دام ثمانين عاماً ورعاه الحكام دائماً ليستخدموه فزاعة يخيفون بها الشعب ويقلقون بها العالم الخارجى الذى يطالبهم بالإصلاح أحياناً.
ستنتهى هذه المهزلة حتماً بعد القصاص من كل من تسبب فى إسالة قطرة دم مصرية بعد ١١ يناير، وقبلها أيضاً، فحق الشهداء لا يسقط بالتقادم، وبعد ذلك يجب أن يحاسب رجال هذه الجماعة على كل صفقة عقدوها خلال العام وعلى أصل ثرواتهم، ولابد أن تخضع الجماعة للقانون وتعرف الدولة مصدر كل قرش يدخلها. لن نعيش للثأر، لكن يجب ألا يهرب مجرم بجريمته، فللشهداء حق وللجرحى ولمن أوذوا فى أرزاقهم حقوق. والحق الأكبر هو حق الأجيال الجديدة فى وطن آمن خال من السفاحين واللصوص.
مفعم بالغبطة لأن مصر، بلد الأزهر، هى التى ستتولى إخراج العالم الإسلامى من العصور الوسطى، وهى المعركة التى خاضتها أوروبا مجتمعة ضد سلطة رجال الدين على مدى قرون طويلة. وقد عمل الغرب المحرر- لشديد الأسف- على إبقائنا فى عصورنا الوسطى بكل ما استطاع، هو الذى اخترع الجهاد فى أفغانستان وموله وهو الذى استمات لاغتيال الربيع العربى بتمكين سلطات جاهلة من البلاد عقب الموجة الثورية الأولى. ومن حقنا أن نفرح لأننا لم نكن نحارب خلال العام الماضى تلك القوى الجاحدة للأوطان وحدها، بل نحارب راعيها الغربى معها.
مفعم بالفرح لأننا نجحنا فى إقامة ثورتين كبيرتين فى ثلاثين شهراً وهذا معناه أن نتعامل بثقة مع القادم، فلا أحد سيستطيع سرقة إرادة هذا الشعب بعد. ولن ندمن الثورة بلا سبب، هذا مؤكد لأن الجسم الحى من الثورة هو من شباب يعرفون معنى الحياة ويعرفون كيف يجب أن تعاش وقد حرموا من راحتهم طوال عامين ونصف العام.
مفعم بالأمل فى أن نعلم الدنيا درساً جديداً فى بناء اقتصاد وطنى لا يمد اليد للخارج ولا يحاول الضحك على مواطنيه وتوريطهم فى ملاعيب توظيف الأموال أو البورصة، بل يطلق طاقاتهم ليقيموا مشروعاتهم الصغيرة فوراً بأنفسهم: معاصر الفواكه والزيوت وتدوير المخلفات الزراعية، وكل ما يمكن أن تخرجه أرض مصر من خيرات أهملها سماسرة الحزب الوطنى والسماسرة الملتحين من بعدهم.
مصر تعوم على بحر من الثروات الصغيرة المعطلة، هذا ما كللت من ترديده فى مقالاتى هنا من أيام المخلوع الأول، وهذا ما يؤكده الأقدر منى على فهم الاقتصاد ولديهم مشروعات محددة من أمثال أحمد السيد النجار وعبدالخالق فاروق وغيرهما كثر.
مفعم بالأمل فى تنمية متوازنة لكل أقاليم مصر من أسوان إلى السلوم ورفح. مفعم بالأمل فى مستقبل مفرح لا ننسى فيه من ضحى بروحه ليحيا الوطن.