حاولت منذ شهر مايو استباق الأحداث فتحدثت حديثاً هادئاً مع بعض قادة الإخوان من ناحية وبعض قادة المعارضة المدنية من ناحية، كان العنوان الرئيسى الذى أدير تحته الحديث والحوار هو المصالحة الوطنية القادرة على تحقيق ما يلى:
1- الحفاظ على التجربة الديمقراطية المصرية بحيث لا تضر بها من داخل الحكم عملية الاستحواذ على السلطة ومفاصل الدولة، فيما يسمى الأخونة ولكى تبقى فرصة تداول الحكم بالانتخابات مفتوحة لا يصادرها نظام يحكم قبضته على جميع مفاتيح الحكم ومصالح الجماهير فيسقط سلم الديمقراطية المتحرك الذى صعد عليه ليستحيل على الآخرين الصعود.
2- الحفاظ على التجربة الديمقراطية المصرية بحيث لا تجرحها مطالبات بإسقاط أول رئيس منتخب نال أصوات الأغلبية الانتخابية من معسكر الإسلام السياسى ومن معسكر شباب الثورة ومن جماهير مصرية فضلته على مرشح النظام القديم ولا مجال للتشكيك فى شرعيته إلا من أصحاب الأغراض غير الديمقراطية.
3- معالجة الأخطاء الجوهرية فى بنية وسياسات الحكم الإخوانى والتى أدت إلى صور متعددة من إقصاء شركاء الثورة من بينها إرغام المستشارين المدنيين على الاستقالة واحداً بعد الآخر لتجاهلهم ومنها عدم تحقيق وعد اجتماع فيرمونت قبل الانتخابات بين المرشح الرئاسى د. مرسى وممثلى القوى الثورية والمدنية بإنشاء حكومة إنقاذ وطنى تشارك فيها قوى الثورة.
4- معالجة قصور الأداء الديمقراطى بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث تتيح العدالة للقوى المتنافسة ولا تصادر هذه العدالة بتصميم الدوائر على نحو يناسب مصالح الإخوان والتيار الإسلامى فقط.
5- اعتراف القوى المدنية بأن هناك من يكن الكراهية العميقة والرفض المبدئى للإخوان، خاصة ولقوى التيار الإسلامى السياسى على نحو عام، وأن هذه الكراهية ظهرت منذ اللحظة الأولى لانتخاب د. مرسى وقبل أن تبدأ أخطاؤه. إن الاعتراف بهذه الكراهية أمر ضرورى لمعالجة المسالك المترتبة عليها والتى تأخذ شكل التسفيه والتحقير غير المبررين وتقطع الطريق على فرص التقارب والحوار والمشاركة مع الإخوان وحلفائهم.
6- اعتراف القوى الثورية المدنية الشبابية بأن أحد أسباب فشل الحكم الإخوانى فى إدارة مرافق الدولة من كهرباء وبنزين وسولار ومياه وأمن يرجع إلى مقاومة من جانب كوادر الدولة العميقة التى تجمع بين الكراهية للإخوان والحنين للنظام القديم.
7- معالجة الصور السلبية القبيحة والمنفرة للقوى الإسلامية فى الإعلام المدنى وما يقابلها من صور التكفير والرمى بالزندقة والفجور التى يصنعها الإعلام الإسلامى. فهذه الصور على الجانبين تقع فى إطار عملية تعبئة متعمدة لكل معسكر وهى تشبه بالضبط عمليات الإعداد للحرب فى الجيوش المتحاربة حيث يلجأ كل جيش إلى وضع نفسه فى صورة الملائكة المدافعة عن الحق والعدل ووضع الجيش المعادى فى صورة الشياطين التى تجسد الباطل والظلم.
ولا يخفى على الناس أن هذه التعبئة تستهدف عادة تحضير الجنود لممارسة القتل دون أحاسيس الذنب فهم يقتلون شياطين لا تستحق الوجود والحياة، على الطرفين أن يدركا أن أحدهما غير قادر على إبادة الآخر ونفى وجوده وهو الإدراك الذى يمثل شرطاً ضرورياً لتكوين الاستعداد للتنازل والمصالحة والوصول إلى حل وسط.
8- اعتماد مبادئ العدالة الانتقالية بما يحقق للشعب أمرين أولهما معاقبة كل من ارتكب جرماً فى حق الشعب من النظام القديم وثانيهما فتح الباب للانتفاع بخبرات الكوادر السياسية والعلمية والإدارية والفنية التى لم ترتكب جرماً وكانت تخدم الدولة وليس النظام.
9- التوافق على تعديلات المواد الخلافية فى الدستور بما يحقق حالة رضا مشترك لجميع القوى.
لابد أن أعترف أننى وجدت لدى بعض ممن حاورتهم فى الطرفين استعداداً للتفهم لهذه النقاط التسع غير أن العقبة الرئيسية التى تعطل قيام أى طرف بالمبادرة هى التمسك برؤية سلبية للطرف الآخر.
فلقد تلخصت رؤية التيار المدنى لحكم الإخوان فى اعتباره حكماً استبدادياً لعشيرة أيديولوجية وتلخصت رؤية الإخوان لمطالب التيار المدنى فى اعتبارها عملية انقلابية على الرئيس الشرعى. أعتقد أن كل طرف أراد اختبار قوة الطرف الآخر فى الميدان قبل تقديم مبادرات جادة وأعتقد أن خروج ملايين المواطنين يوم الأحد 30 يونيو بالضخامة التى رأيناها يجب أن يقنع الإخوان بضرورة دخول عملية سياسية ناضجة لتجنيب البلاد ويلات الفتنة والانشقاق لتحقيق مصالحة على أساس النقاط التسع المذكورة قبل انفلات الفرصة.