أكتب هذه السطور ومصر تحبس أنفاسها فى انتظار لحظة فارقة، قد يصنعها مشهد ما بعد ٣٠ يونيو، القلق يعصف بالجميع بين معارضين يرون أن هذا النظام قد فقد شرعيته، وأن استمراره يمثل خطراً على الدولة المصرية، ومؤيدين يرون أن هذا انقلاب على الشرعية وقفز على الديمقراطية.
انتظر الناس أن يقوم الرئيس مرسى بتدارك الأمور ونزع فتيل الأزمة، ولكنه مضى فى طريق العناد والانفصال عن الواقع معتمداً على ما يتوهمه من قاعدة شعبية لأنصاره، وقوة تنظيم جماعته، التى يراهن عليها للبقاء فى الحكم.
اعتمد النظام على نظرية الحشد المضاد لمواجهة معارضيه، ورغم خطورة هذه الاستراتيجية وتسببها فى إراقة الدم إلا أن النظام الذى لا يثق فى مؤسسات الدولة، يرى أن جماعته وأنصاره هم الجهة الوحيدة التى يمكنه الاعتماد عليها.
من يلاحظ خط الدم الذى يسيل فى مصر من بعد الثورة وحتى الآن، يلمس حقيقة مؤلمة، مفادها أن الناس قد تعودت على مشاهد الدماء، وأن خبر مقتل شخص أو أشخاص، قد صار جزءاً من واقعنا اليومى.
بالإضافة إلى فوضى حمل السلاح وانتشاره فى كل مكان بمصر، واستخدام هذا السلاح فى الصراع السياسى، ورأى المصريون لأول مرة فى تاريخهم أشخاصاً يحملون سلاحاً أمام عدسات الكاميرات، ويمارسون القتل على الهواء، دون أن تلاحقهم الدولة أو تبدى حتى انزعاجها من هذه الظاهرة الخطيرة.
وزارة الداخلية حذرت منذ يومين من مجموعات مسلحة ستندس بين المتظاهرين لإيقاع الفتنة، واكتفت بذلك دون أن تخبرنا لماذا لم تقبض على هؤلاء؟ ووصل الأمر إلى الحديث عن وجود عبوات ناسفة، قيل إنها استخدمت فى بورسعيد.
لذلك لا بد أن نذكر الدولة، بأن حماية المتظاهرين السلميين مسؤوليتها الأولى، ولا معنى للحياد السلبى والمصريون يتعرضون للخطر.
كما أن المتظاهرين أنفسهم يجب أن يتيقظوا، لأن محاولات اندساس وإراقة دماء، لإدخال البلاد فى حرب أهلية دامية تمزق مصر وتقضى نهائياً على الثورة.
أحاديث الوعيد والتدريبات القتالية التى شهدها ميدان رابعة العدوية لمؤيدى الرئيس لا يجب أن تخيف الناس، فكلما زاد عدد المتظاهرين السلميين ضعفت فرص استخدام العنف، وكلما فكر أى مندس ألف مرة قبل أن يلجأ للعنف.
نشهد الله أننا ما نزلنا إلا وفاءً لدماء شهداء الثورة، ومسؤوليتنا الوطنية تجاه مصر، التى أعادها حكم الإخوان إلى الوراء، نتبرأ إلى الله من كل دم قد يسيل، وندين فاعله ونرفض أى حرق أو تدمير لمقار حزبية أو منشآت عامة أو خاصة.
وأنت تقرأ هذه السطور ربما يكون الشعب قد قال كلمته وفتح باباً جديداً للحرية والأمل، الذى قتله نظام فاشل، وربما تكون هناك جولة جديدة من جولات الصبر والثبات لتمكين الثورة قد بدأت، ولكن يقيننا أن مصر تتغير وأن الشعب استيقظ، وأن القادم أفضل مهما كانت التضحيات.
تحيا مصر