فى أى مكان يختبئ فيه الأخ مرسى الآن، فإن الحقيقة سوف تطارده، وصور الشهداء الذين سقطوا فى عهده سوف تحاصره، وأصوات الملايين سوف تلاحقه بأن القصة انتهت، ولا خيار إلا الرحيل!
لا جدوى من خداع النفس أو خداع الآخرين، وقد مارس مرسى هذا الأمر حتى اللحظات الأخيرة، وفى خطاب اليأس والملل الذى صدع به رؤوس الناس قبل أيام، حاول أن يصور الأمر على أنه صراع مع «فلول» يعرف أن «جماعته» تعقد الصفقات معها! أو مؤامرة وهمية من شفيق أو زكريا عزمى أو حتى «المرحوم» كمال الشاذلى! أو أن الأمر لا يتعدى خناقة بينه وبين فودة بتاع المنصورة، والراجل بتاع المعادى!
هل هو خداع النفس أم خداع الآخرين؟ أم الهطل والهرتلة فى موقف لا يحتمل شيئا من ذلك؟ فالصراع فى حقيقته هو بين الأخ مرسى وجماعته وأهله وعشيرته من جانب، وشعب مصر بكل أطيافه من جانب آخر. هذه هى الحقيقة التى ينبغى أن يستوعبها الأخ مرسى قبل فوات الأوان، والتى لن يخفيها بعض الدبابات التى تحميه، ولا هؤلاء المخدوعون الذين تم حشدهم تحت زعم أن الإسلام فى خطر، والله يعلم أنه لا أحد يسىء إلى الإسلام قدر حاكم مستبد، وجماعات تتاجر بالدين، وإرهابيين يتصورون أن الشعب سيخاف من تهديداتهم الجوفاء التى لا تثبت إلا شيئا واحدا، أننا أمام نظام على وشك السقوط، وإرهاب يعرف أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة!
مصر اليوم تخرج لتستعيد نفسها وتسترد ثورتها.. الملايين تُشعل الميادين بالغضب النبيل على حكم فاشل وفاشى يعرف أنه فقد كل فرصته فى الحياة، وأن كل ما يفعله لن تكون له نتيجة إلا تأخر إصدار شهادة الوفاة التى حدثت بالفعل!
يعرف مرسى وجماعته وأهله وعشيرته أنهم هم الذين كتبوا نهايتهم المأساوية بأيديهم. هم الذين ضحوا بمصالح الملايين من أجل «تمكين» الجماعة. هم الذين حولوا أحلام المصريين فى تحقيق أهداف الثورة إلى هذه المحنة التى تعيشها الملايين وهى تعانى، وتعيشها الدولة وهى تنهار على يد حاكم يجمع بين الاستبداد والتخلف والفشل، ثم يحاول أن ينسب كل ما يرتكبه من جرائم إلى الدين الحنيف البرىء من كل ما يفعلون.
انتهى الدرس، وانكشفت الحقائق. هذا صراع بين ملايين المؤمنين من المسلمين والمسيحيين وبين تجار الدين.. هذا صراع بين الحرية والاستبداد.. هذا صراع بين شعب يريد استكمال ثورته، ومَن سعوا منذ اللحظة الأولى إلى إجهاض الثورة من أجل الاستحواذ على الحكم.. هذا صراع بين حكم يأخذ مصر إلى الهاوية، وشعب خرج لإنقاذ الوطن وحماية الدولة.. هذا صراع بين قيم الحق والخير والتسامح والعدل وكرامة الإنسان، وحكم يقف معزولا لا يجد أنصارا إلا بين عواجيز الإرهاب الذين يحلمون بإعادة مصر إلى ظلام العصور الوسطى!
نعرف الآن أننا أخطأنا حين غادرنا الميادين فى اليوم الثامن عشر من الثورة، فأعطينا الفرصة لسرقة الثورة ومحاولة تصفيتها، الآن يعود الشعب لاستكمال مسيرته.. إنه اليوم التاسع عشر من الثورة، التى لن تنتهى إلا بتحقيق أهدافها.
انتهى الدرس وانكشفت الحقائق.. تخرج الملايين اليوم لتستخرج شهادة الوفاة لحكم فقد شرعيته، نعرف أن السلمية هى طريقنا للانتصار، وأن وحدتنا هى سلاحنا الأقوى، وأن كلمة الملايين هى الشرعية الحقيقية. الشعب قال كلمته: ارحل.. يعنى امشى!