جاء الخطاب الأخير معبرًا عن نظام يحتضر وهو ينكر ذلك، كل ما فيه يدل على إشرافه على الهلاك إلا أنه يتباهى بفحولته ومهارته ولياقته، يفر من الحديث عن أزمات الاقتصاد التي يعانيها رجل الشارع، ويسير بركاكة على نمط خطابات مبارك مكررًا مجموعة من الأرقام غير الحقيقية منها سعر الطائرات البوينج، وذاكرًا أسماء من يعتبرهم أعداءه، وكان السؤال: هل يعقل أن يقوم رئيس بذكر اسم بلطجي في قرية في مركز في محافظة؟ هل يعقل أن يظل الرئيس متذكرًا رئيس لجنة انتخابية منذ عام 2005؟ ولماذا لم تذكر أسماء خاطفي الجنود الأبرياء؟ ولماذا لم تذكر أسماء قاتلي السبعة عشر جنديا؟
حين انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات في الجزائر في بدايات العقد الأخير من القرن العشرين بفوز الإسلاميين، أوقف الرئيس الجزائري الانتخابات وبدأ في الهجوم عليهم وتطور الأمر ليصبح معركة أهلية، ولو استمع الرئيس إلى المفكر والروائي الطاهر وطار لأكمل الانتخابات، وأعطاهم الرئاسة إن فازوا بها، كانت مقولة وطار واضحة: "الوصول إلى مرحلة شرط تجاوزها".
نعم كان علينا أن نكتوي بمرارة التجربة التي يدعي الإخوان أنها إسلامية وأنهم قادرون على مطاردة الصهاينة حتى لا يجدون إلا الغرقد، وأن حاكمنا سيحثو المال حثوًا، وأننا سنعيد القدس والأندلس وربما يؤذن المؤذن على جامعة السوربون.
تفرغت الجماعة للتمكين بدلاً من أن تنهمك في تحديث المشروع السياسي الإسلامي، عبر الاستفادة من مرونة قواعد الإسلام الحاكمة، وبدلا من جمع العلماء الكبار في الاقتصاد للخروج بنظام يجمع بين تعاليم الإسلام وبين مستجدات الوضع الاقتصادي، وهنا كان الشرك الذي صنعته الجماعة لنفسها: غضب رجل الشارع لدينه ولدنياه.
ارتفع سعر أنبوبة الغاز من المنفذ إلى أحد عشر جنيها بعد أن كان لا يتجاوز الثلاثة جنيهات، عم الظلام الدامس أنحاء مصر، امتلك البلطجية زمام أمور الدولة وعاثوا فيها فسادًا، تضاعف الأسعار بشكل لا مثيل له، وفي قصره العالي البعيد، كل ما يعني رسول المرشد أن ينفذ ما يوحى إليه؛ تعيين محافظين مرفوضين، تعيين وزراء لا كفاءة لهم؛ لهذا بلغ الغضب الشعبي مداه؛ وفي المقابل أصر رسول المرشد على أن ينفذ الوحي كما هو والنتيجة: استقال محافظ الأقصر بعد عجزه عن دخول المحافظة، دخول محافظ مبنى المحافظة في زي منقبة، وضع خروف على باب مبنى محافظة.
جاء الخطاب الأخير ليدل على أن الجماعة التي سقطت مشروعية فكرتها ومنهجها من عقل الشارع المصري، سقطت كل أسباب وجودها: حاكمةً أو مهيمنةً أو داعمةً، وربما سقطت أسباب وجودها بالكلية.
يتساءل في خطابه: هل فلان ثوري؟ والجواب: وهل أنت ثوري يا قاتل الثوار مرة بالصمت في محمد محمود ومرة بالإعلان غير الدستوري؟ هل أنت ثوري يا من أعلنت أن الإخوان لن ينزلوا الانتخابات في 2010 ضد رموز الوطن زكريا عزمي ويوسف بطرس غالي؟!
حقًّا: الوصول إلى مرحلة شرط تجاوزها.