منذ صباح الأربعاء وأنا أُمنّى نفسى بأن خطاب الرئيس سيتضمن معجزة وطنية تغلق الباب على الخروج يوم 30 يونيو، كنت صادق النية بينى وبين نفسى فى أن أتلكك لأى جملة بها رمق الشعور بالمسؤولية فأساندها وأدعمها، على الأقل كمبرر لتأجيل الغضب قليلا.
مثلا حزمة قرارات بتغيير الحكومة والنائب العام واستبدال بالأسماء المطروحة على الساحة أسماء لا خلاف عليها، مصحوبا ذلك بمنحهم صلاحيات وطنية واسعة لإنقاذ الموقف. أو مثلا دعوة الناس إلى الاستفتاء على فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة، أو أن يطالب الشعب الغاضب بمهلة أخيرة شارحا بصراحة تامة ما يعوق قيامه بدوره كرئيس على أكمل وجه.
أى قرارات تبل ريق الناس وتجعلهم يشعرون أن هناك بالفعل رئيس جمهورية يستحق المكان الذى يقف فيه ترفرف خلفه أعلام مصر. ولكن ما حدث ليلة الأربعاء كان مأساة إنسانية يقودها رجل مرتبك لا يعرف حجم الخطر الذى نعيشه، رجل ركيك مكابر ينضح بالسذاجة ويستحق الشفقة.
وقع الرئيس فى كل الأخطاء التى يزعم أنها تعطل الانطلاق. اختار من الإعلام أسوأ ما فيه، فوقف يقدم فاصلا فى التشويه وفقرة من قصص النميمة السياسية التى لا يملك طرفها الآخر حق الرد «سواء لأنه ميت أو لأنه محاصر فى سجنه أو تحت الإقامة الجبرية فى بيته».
اختار أن يتحدث ليس على طريقة عكاشة ولكن على طريقة مساعدته التى تعتبر عكاشة بطلا أسطوريا. قدم معلومات مغلوطة على مستوى الماضى وعلى مستوى الحاضر. ألقى الكرة فى ملاعب أشخاص لم يحلموا يوما أن يأتى ذكرهم على لسان المحافظ مش رئيس الجمهورية.
حكى حكايات ساذجة يعتقد أنها مؤثرة على طريقة ريهام سعيد، وحاول أن يكون ساخرا فكان جزاؤه من جنس العمل، إذ سهرت مصر كلها أمام الخطاب ترشح لأسرة عمل برنامج «البرنامج» المقاطع التى ينتظرون أن يروها فى الحلقة القادمة.
اختار من النظام السابق عديدا من مساوئه، فأعطى إشارة البدء للتنكيل بمعارضيه، ولوث وشوه سمعة كثيرين دون أن يُظهر لنا على الهواء ورقة تدعم اتهاماته، واصطنع بطولة زائفة على حس من كان يقف أمامهم انتباه. تحدث فى ما يحمى بقاءه على الكرسى، وتجاهل ما يشغل الناس حقيقة، لأنه لا يجد له تبريرا أو دفاعا «أيهما كنت تفضل أن تسمع رأى الرئيس بخصوص زكريا عزمى أم توقيعات تمرد؟
مكرم محمد أحمد أم حرق الناس أحياء فى أبو النمرس؟ صفوت الشريف أم تلويح صفوت حجازى بالدم». اختار أن يشبه النظام السابق فى القدرة على التضليل بفقرة الساحر الذى يلهيك عن أزمة البنزين بمشهد البلطجية، ويلهيك عن أزمة الكهرباء بأحمد شفيق، تلك الفقرة التى لا يمكن أن تنطلى على أحد لولا حفنة فى الصفوف الأمامية تصفق عمال على بطال، فتوهم السذج أن الساحر لا مثيل له.
تعرض الشعب بأكمله للسحل على مدى ساعات خطاب الرئيس، نامت أكثرية المصريين منهكة يائسة ضغطها عال «مع أنها غير قابلة للانضغاط»، وتركنا سيادته فى حيرة عظيمة، مبعثها أن هذا رئيس لا يستحق أن تراق من أجله نقطة دم واحدة لا من مؤيديه ولا معارضيه، مبعثها إعجاز سياسى يقول إنه كلما كان النظام ساذجا ومكشوفا تعقدت مسألة إسقاطه، بالضبط مثلما قالوا زمان «إذا استدرجك الأحمق إلى ملعبه فسيهزمك بفارق الخبرة».
شاهدنا ليلة الأربعاء شخصا لا يليق به أن يكون رئيس مصر، شخصا كان مجرد «سلمة» لنجاح الثورة بعد أن أصبح منافسه على الحكم شفيق، أدت الـ«سلمة» وقتها مهمتها بنجاح على الحركرك، لكن استمرار الاعتماد عليها فى الصعود سيقطم رقبة الوطن لأنها بالأساس «سلمة مكسورة».