ما رأيك فى جملة كتلك: «الفضيحة أحد منابع التطور الأخلاقى»؟ ما رأيك فى تبرير كهذا. لأنها تجعلنا نفكر فى أخلاقنا القائمة.
كثير من المفاهيم النافعة التى ننعم فيها الآن كان نتيجة لفضيحة، لتصرف اعتبره المعاصرون له شريرا، واعتبروا أصحابه أشرارا.
فكِّرى هنا فى فضائح الغرام طبعا، ولكن أيضا فى فضائح أفضت إلى إثارة قضايا المساواة بين الأعراق، والاختلاط بين الطبقات، والوعى بالاختلافات الجسدية والنفسية والفكرية للأفراد، وشد الحقائق العلمية من بين مخالب الكهنوت.
حتى الفضائح الأقل نُبلًا تحول تفكيرنا إلى تفاصيل كانت خافية عنا، ونخرج بعد تداولها ونحن فى موقع أخلاقى مختلف عما قبله. وما ذلك إلا أن الفضيحة هى مجرد اختراق للأخلاق الحالية. بالنسبة إلىّ شخصيا، فإن فضيحة أعدتها السلطة لرجل أعمال قبل عشر سنوات جعلتنى أفكر فى معنى كلمة فساد. ما الفساد الحقيقى؟ ما الذى يعنينى من «فساد» الناس وما الذى لا يعنينى؟ جعلتنى أفكر فى «الفساد» محدود الدائرة، و«الفساد» الشرس الاحتكارى. جعلتنى أفكر فى علاقة «الخيانة» بالأذى. ومن الذى يؤذى من. ومن الذى يتعمد الأذى ومن الذى لا يتعمده؟ كلها تفاصيل صغيرة، أسئلة تختلف عن السؤال التقليدى الضيق الذى يتساءل: هل هذا أبيض فنحبه أم أسود فنكرهه؟
مشكلة الفضيحة تتعلق بأطرافها، بالألم الذى يتحملونه، والهجوم الاجتماعى الذى يواجهونه، والأخطار التى يتعرضون لها. وهو ما يدعونا إلى المقارنة بينهم وبين «الأبطال». فميزة التاريخ الكبرى أنه يرينا فعل الزمن، وهو شىء صعب أن تدركه الإنسانة فى حاضرها، ومستحيل أن تدركه من مستقبلها الذى لم يأت بعد. وفعل التاريخ أرانا كم من «أبطال فضائح» صرنا نعتبرهم أبطالا فعلا، وكم من «أبطال قمع» صفق لهم المجتمع وقتها صرنا نعتبرهم مستبدين سلطويين متحكمين. يتتبعون خصوصيات الناس، ويفتشون فى معتقداتهم.
التعزية الوحيدة لأصحاب الفضائح أولئك هى خلود الذكر. إذ الفضيحة فى أصلها سر قاوم الفناء، قاوم السجن، وانعتق، وخرج إلى «النور»، وعاش، بل كتب لنفسه الخلود على مستوى ما. بينما أفعال «أعظم منه شأنا» طواها النسيان، لأن أصحابها نجحوا فى كتمانها، وفى خنقها. أى المآلين أجدر بالاحتفاء؟ التقدير لك.
أعلم أنك تقولين إن هذا بقاء تعيس. والحقيقة أننى لا أفكر فى هذا المقال فى الخير والشر بمعناهما المعتاد، إنما أفكر فى حركة التاريخ وحركة المجتمع. وتاريخ المجتمعات ينبئنا أن أكثرها فضائحَ أكثرها تحولا. أى أن المجتمعات فى أطوار التحول تشهد مزيدا من الفضائح، لأن الفضيحة تعبير عن تفشى الرفض، ولأن الفضيحة تستخدم حربا من طرف على طرف. لكنها، على غير رغبة مستخدميها، أثبتت أنها فى معظم الحالات تفتح عيون المجتمع على ما لم يكن يره، وأنها فى معظم الحالات تؤدى إلى تغيير إيجابى. مرة أخرى، يدفع ثمنه «أبطالها».
بينما، على الجانب الآخر، تبدو المجتمعات المتخلفة الراكدة على السطح مستقرة. بلا فضائح. يتغنى أبناؤها بأخلاقهم، ويقدمون لها فروض الطاعة ليل نهار. لا يعلمون أنها، غالبا، سبب نكستهم الأزلية. فهل فكرت مرة أن تروى لابنك وبنتك فضائح العائلة؟! كثيرون يقررون أن لا يفعلوا. بينما لو فعلوا لوسعوا خيال أطفالهم، ولعلموهم، بطريقة غير مباشرة، السماحة، وإدراك النفس الإنسانية على حقيقتها، وليس على صورتها المختزلة الخائفة الراكدة التى يروج لها أنصار القديم. اجعليهم يفكرون، الفضائح تعلمنا التفكير، بينما البطولات المرضىُّ عنها تعلمنا الركون إلى ما لدينا.