حفل الخطاب الذى ألقاه الدكتور محمد مرسى بمثابة مرور عام على توليه السلطة بعشرات الأخطاء بعضها يرقى إلى مستوى الخطايا، ومنها ما يستوجب رفع دعاوى قضائية ضد الرئيس لارتكاب جرائم التشهير والتعريض بشخصيات مصرية عامة وتوجيه اتهامات دون حكم قضائى بحق مسؤولين سابقين، بل وصل الأمر إلى سرد حوار مع شخص هو اليوم بين يدى الخالق وهو السيد كمال الشاذلى، سرد ما قال إنه حوار معه حول العصابة الحاكمة والفساد، وهو أمر لا يمكن تصوره على الإطلاق، فما كان لمرسى أو غيره فى ذلك الزمان أن يتحدث مع الراحل كمال الشاذلى على نحو ما قال. لكن الرجل غير موجود ليرد أو يصحح، كما أن كل من وردت أسماؤهم بالإدانة على لسان الرئيس ليس بإمكانهم دفع الاتهام والرد بعد أن تم تشويههم من قبل رئيس الجمهورية.
الرجل بدأ الخطاب متأخرا كالعادة وبدا متوترا عصبيا، بعد مقدمة أقر فيها بارتكاب أخطاء، بدأ فى توجيه الاتهامات يمينا ويسارا، وجه اتهامات لشخصيات عديدة من صحفيين (مكرم محمد أحمد) ورجال أعمال يمتلكون قنوات فضائية مستقلة (محمد الأمين وأحمد بهجت وتلميحا ساويرس) خصوم سياسيين، منهم من كان ينافسه فى انتخابات الرئاسة (الفريق أحمد شفيق) ومنهم رموز سياسية معارضة، ولم ينس الدكتور مرسى حديث المؤامرة الخارجية عندما ذكر القيادى بحركة فتح (محمد دحلان) وتلميحا دولا عربية خليجية.
انتقل الدكتور مرسى بعد ذلك سريعا إلى الحديث عن قرارات استثنائية، مؤكدا أن عاما واحدا كافٍ للتأكد من أن المعارضة لا تريد التعاون معه، وأنها معارضة هدامة، وهو ما حمل المحللين على توقع صدور قرارات استثنائية فى نهاية الخطاب. تحليل خطاب مرسى فى الجزء الأول يقطع يقينا بأن الرجل كان قد اتخذ سلسلة من القرارات الاستثنائية بحق معارضين وناشطين سياسيين، وتحليل الخطاب يقطع أيضا بأن نهايته لا تستقيم مع بدايته، فقد هدد وتوعد وذكّر المصريين بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة فى إشارة إلى حقه فى إجراء محاكمات عسكرية للمعارضين تحت دعوى محاولة إجهاض الثورة، التطور الطبيعى للخطاب هو الإعلان عن حزمة قرارات استثنائية. والسؤال هنا: لماذا لم يتخذ مرسى هذه القرارات؟ وماذا يمكن أن يفعل فى الثلاثين من يونيو؟ فى تقديرى أن مرسى كان قد اتخذ قرارات استثنائية فى الصيغة الأولى من الخطاب، أتوقع أنه كان سيصدر إشارة بدء للأهل والعشيرة بالهجوم على بعض قنوات الإعلام التى حرض على مُلاكها فى الشق الأول من الخطاب، وشن هجمات سريعة وخاطفة على بعض تجمعات المتظاهرين، وأخيرا اعتقال عدد من المعارضين.
هدف مرسى والجماعة من وراء ذلك هو استباق يوم الثلاثين من يونيو وإحباط عزيمة المصريين الراغبين فى الخروج، شل الإعلام المستقل وترك المجال لإعلام الجماعة والمتحالف معها للانفراد بالساحة (التليفزيون الرسمى، «المحور» وقناة «النهار» التى انضمت للجوقة مؤخرا) السؤال هنا ما الذى حدث وجعل مرسى يتراجع عن الخطوات التصعيدية؟ المؤكد أن ذلك يعود بالأساس إلى إحجام جهاز الأمن الوطنى ورجال الشرطة عن تنفيذ مخطط الاعتقالات، وتحركات لقوات المسلحة على الأرض حالت دون اقتحام مدينة الإنتاج الإعلامى، ونشاط مؤسسات الدولة المصرية بشكل مكثف، وربما ضغوط الساعات الأخيرة نجحت فى إقناع أو إجبار مرسى على بتر الخطاب وتغيير نصفه الثانى عبر التراجع عن قراراته الاستثنائية فجاء الخطاب مبتورا بشكل واضح، فما قاله مرسى فى النصف الأول من الخطاب كان تمهيدا واضحا للإعلان عن قرارات استثنائية، وما انتهى إليه الخطاب يجعلنا نتساءل ولماذا الخطاب؟ ما الجديد؟ هل هو رسالة تحذير للمعارضة ولشباب تمرد؟ الرسائل تصل كل ساعة من الأهل والعشيرة. المؤكد أن تحركات كثيرة قد جرت فى الساعات القليلة التى سبقت إلقاء مرسى لخطابه أدت إلى تأجيل الخطاب من ناحية نحو ساعتين، وبترت فقرات عديدة فى نهاية الخطاب، رفعتها ضغوط الواقع وحسابات اللحظات الأخيرة من على الورق، ولم تنزعها من العقل والفكر، وهو ما سوف تتبلور ملامحه يوم الأحد القادم، يوم ٣٠ يونيو.