لم ينشغل المصريون فى تاريخهم الحديث بأمر استحوذ على اهتمامهم لأسابيع مثلما شغلهم السؤال عن مستقبل مصر بعد (30-6)، الذى حددته «حملة تمرد» كبداية لتعبير الشعب عن المطلب الذى التف حوله ملايين من أبنائه، وهو سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ويمكن تصور أربعة سيناريوهات لما يمكن أن يحدث بدءاً من عصر يوم بعد غد، الذى أصبح مشهوداً قبل أن يأتى. فهناك – أولاً – السيناريو الذى يتطلع إليه دعاة الإصلاح، وهو أن تكون الاستجابة الشعبية كبيرة فى معظم المحافظات، وليس فقط فى القاهرة، على نحو يعيد إنتاج ثورة 25 يناير ويجدد ربيعها وينهى الخريف الذى عصف بزهورها، وكاد أن يجرف الوطن كله، فإذا كانت الحشود الشعبية هائلة وقدرة الشباب على حماية سلميتها كبيرة، لن يتمكن من يعدون العدة للانقضاض على المحتجين من مواجهتهم.
فالافتراض الذى يقوم عليه هذا السيناريو هو أن الصراع سيكون بين شعب بمختلف فئاته وعدة أحزاب تابعة للسلطة. فإذا عبر هذا الشعب عن إرادته عبر حشود ضخمة، سيستعصى الأمر على من يظنون أن البدء بحشد أتباع السلطة يمكن أن يضمن لهم إحباط الاحتجاجات.
وعندئذ لن يكون أمام الرئيس مرسى إلا الاستقالة، إما بمبادرة منه، أو بقرار من جماعة «الإخوان»، لكى تحافظ على دور لها فى المرحلة الجديدة، أو بطلب من الجيش الذى يقف دائما مع إرادة الشعب.
وعندئذ، ستدخل مصر فى مرحلة انتقالية جديدة ينبغى أن تكون قصيرة للغاية بحيث لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة شهور، أى الفترة اللازمة للإعداد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أساس إعلان دستورى مؤقت يعطل العمل بدستور 2012 ولا يلغيه، وينص على تشكيل لجنة قانونية محايدة لمراجعته وتعديله.
أما السيناريو الثانى فهو يرتبط باحتمال عدم إقدام قطاعات من الغاضبين والمستائين على النزول، الأمر الذى يجعل الحشود أقل من أن توجه الرسالة الحاسمة، وهى أن مرحلة جديدة ينبغى أن تبدأ. والافتراض الذى يقوم عليه هذا السيناريو هو أن يحدث توازن فى القوى بين من سيشاركون فى الاحتجاجات وأنصار السلطة، الأمر الذى يفرض إجراء مفاوضات سياسية للوصول إلى حل وسط.
وفى هذه الحالة، يحسن أن يفوّض المحتجون مؤسسى «حملة تمرد» على أساس أنهم أصحاب المبادرة فى التحرك الذى أدى إلى هذه النتيجة، ولتأكيد دور الشباب فى المرحلة القادمة. وعندئذ سيشمل التفاوض بالضرورة الإصلاحات التى كان ممكنا أن تجنب التوتر الذى تصاعد فى الأسابيع الأخيرة لو أن السلطة تعاملت بحكمة ومسؤولية وطنية، ولم تضع جماعتها فوق الشعب.
ويمكن تصور سيناريو ثالث فى حالة مماطلة السلطة فى قبول التفاوض سعيا إلى منح فرصة لأنصارها لتجريب استخدام العنف ضد المحتجين، الأمر الذى سيفرض تدخل الجيش لحقن الدماء. وعندئذ سيكون الجيش طرفا فى التفاوض بحكم الأمر الواقع الناجم عن تدخله الاضطرارى، وربما يصبح راعيا لهذا التفاوض وضامنا لنتائجه فى ظل انعدام الثقة السائدة فى الساحة السياسية.
ويبقى سيناريو رابع يعتبر هو الأسوأ بالنسبة إلى دعاة الإصلاح ومستقبل مصر فى آن معا، وهو أن تنجح حملات التخويف والإرهاب التى يشنها أنصار السلطة، وبلغت ذروتها خلال الأسبوع المنصرم فى تقليل أعداد من سيشاركون فى الاحتجاجات، بحيث لا يشكلون «الكتلة الحرجة»، التى تفرض التفاوض سعيا إلى حل وسط. كما يتسع هذا السيناريو لاحتمال أن تكون القدرة على تنظيم حشود المحتجين ضعيفة، والاستعداد لاستمرارهم محدود. وفى هذه الحالة يمكن أن يقل عددهم تدريجيا، حتى إذا كان كبيرا فى البداية.
ومؤدى هذا السيناريو هو استمرار الأزمة الناتجة عن سوء أداء السلطة، وتواصل التوتر والاحتقان. وقد يكون تدشين مصر دولة فاشلة على المستوى العالمى هو أقرب نتائج هذا السيناريو بسبب ازدياد التدهور الاقتصادى والاجتماعى والأمنى، فى ظل انسداد سياسى يحول دون إنقاذ الوطن، ولذلك سينتج هذا السيناريو، إذا حدث، موجة جديدة من الثورة قد يقودها جياع وضحايا فشل السلطة التى لا يعنيها إلا الهيمنة والاستحواذ.