ماكولاى كالكين هذا الطفل الجميل الذى شاهدناه قبل نحو ربع قرن فى مجموعة أفلام «وحدى فى المنزل» فوجئت به بعد أن تخطى الثلاثين وقد أصبح يحمل وجه رجل متهالك عجوز قضت عليه السنين!
ماكولاى هو نموذج لنجاح الطفل الذى يمتلك فى لحظة كل شىء، شهرة وفلوسا وحضورا وتألقا ثم خفوتا تاما، وكأن الله منحه فى سنوات قليلة كل شىء ثم حرمه بعد ذلك من كل شىء!!
المأزق هو، كيف تتعامل مع الواقع؟ كانت لكالكين محاولات سينمائية بعد تخطيه مرحلة المراهقة، لكنها لم تسفر عن أى نجاح، وربما لهذا السبب كان عرضة أكثر لكى يقع فريسة المخدرات.
نتذكر نجما كان واعدا وهو حاتم ذو الفقار انتهت حياته قبل نحو عامين فى الظل دخل السجن أكثر من مرة وكانت فضائحه دائما تسبقه، كان حاتم واحدا من أربعة أو خمسة فنانين تجمعهم دائرة الإدمان التى وحدتهم، كان هو صاحب الحظ الأسوأ. كل مشكلة حاتم بعد أن يلقى القبض عليه متلبسا بحيازة الهيروين اشمعنى فلان الفلانى حرا طليقا، لم تكن العدالة مطلبه فقط، كان يريد أن يلحقه نجم آخر مدمن إلا أن هذا النجم كان وأظنه لا يزال على صلة وثيقة بأجهزة الأمن تضمن له أن يظل بعيدا عن الملاحقة الأمنية!!
الإدمان لعنة معرَّض لها البشر جميعا، ولكن الفنان تزداد أكثر احتمالات وقوعه فى براثنه. هل تتذكرون عماد عبد الحليم؟ عرف مبكرا النجاح فى الغناء بعد أن دفع به عبد الحليم ومنحه اسمه. من عاصروا تلك السنوات يدركون أن عبد الحليم لم يكن شغوفا بأن يقدم للساحة مطربا، ولكن ما حدث أنه فى مطلع السبعينيات ظهر هانى شاكر وفوجئ عبد الحليم بأن الشارع يردد له عددا من أغانيه وأشهرها «كده برضه يا قمر» التى كتبها صلاح فايز ولحنها خالد الأمير.
عبد الحليم كانت دائما لديه تلك المخاوف. نعم نجاح عبد الحليم لا يضاهيه مطرب آخر وربما أيضا لن، لأن الزمن تغير لم يعد من الممكن أن نكرر ظاهرة النجم الأوحد، ولكن عبد الحليم كانت لديه هذه الهواجس أن يأتى مطرب آخر ينازعه القمة ونصحه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس قائلا «العيل ينافس العيل» ولهذا تبنى عماد لتصبح المعركة بين عماد وهانى وليست بين هانى وعبد الحليم.
ورحل عبد الحليم وظل عماد متقدما الصفوف، لأنه صاحب موهبة حقيقية إلا أنه دخل سريعا بؤرة الإدمان ولم يُحِط هذه الموهبة بسياج يحميها وبدأت الأضواء تنسحب عنه وامتزج الإدمان بعلاقة نسائية براقصة كادت تودى به إلى السجن عندما أرادت الانتقام منه بإلقاء القبض عليه فى أثناء التعاطى متلبسا فى شقة مطرب اشتهر بالغناء الدينى، ولكن الذى قبض عليه كان المطرب الدينى وخرج من السجن، أقصد المطرب الدينى بعد قضاء مدة العقوبة، وقد تخلص تماما من الإدمان، بينما عماد خارج جدران السجن كان قد اقترب أكثر من منطقة الخطر لينتهى الأمر كعادة المدمنين بالعثور على جسده ملقى فى عرض الطريق ومعه سرنجة وليمونة.
فى مسلسل «أهل الهوى» الذى من المنتظر عرضه فى رمضان يتعرض الكاتب محفوظ عبد الرحمن لإدمان سيد درويش، وهل قتل بسبب جرعة زائدة كما تردد، أم أنها مؤامرة ويرجح محفوظ احتمال أنها مكيدة نظرا لمواقفه الوطنية ضد الاستعمار البريطانى، وإن كان لم ينكر أنه فى مرحلة ما من عمره وقع فريسة الإدمان.
كيف تعرف الفنان المدمن؟ فى العادة أنت لن تشاهده فى أثناء التعاطى، ولكن على الشاشة تراه وقد ماتت نظرة عينيه، أعرف نجما صار يقبل أى دور يعرض عليه، لأنه يحتاج إلى سيولة مادية تتيح له شراء الجرعة بانتظام، لو دققت النظر فى عينيه لوجدتها فقدت الحياة. عيناه ترى نعم، ولكنه يبدو على الشاشة وكأنه يطل علينا من عالم آخر.
بطارية الإبداع تفقد رصيدها وتشعر أن النجم قد أفرغ الشحنة تماما ولم يتبق شىء سوى تلك النظرات الفارغة.
نعم يحاول البعض أن يتخلص بين الحين والآخر من شبح الإدمان، ولكن ومع الأسف حتى لو امتثل للعلاج إلا أنه وبعد أى هزة نفسية يجد نفسه يبحث مجددا عن الجرعة!!