عندما سجل الموسيقار محمد عبد الوهاب مذكراته مع الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، والتى حملت عنوان «النهر الخالد» لم يتجاوز أجره نصف مليون جنيه وكان يعد، بمقياس ذلك الزمن، رقما خرافيا يستحق أن يدخل به موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية.
لم نكن وقتها نهاية الثمانينيات قد بدأنا عصر الفضائيات التى تتهافت على التسجيل مع الفنانين، بل فقط هناك عدد محدود من القنوات الأرضية، وأتذكر أننى سألت الراحل سعد وهبة عن السؤال الذى حذفه عبد الوهاب من «الإسكريبت» فقال لى الجانب الشخصى ما يتعلق بحياته الخاصة، وذلك حتى لا يغضب زوجته السيدة نهلة القدسى، بالتأكيد كان عبد الوهاب حريصا على أن تظل مشاعره العاطفية محاطة بسرية، وهو ما تكرر أيضا وبالصدفة مع سعد الدين وهبة أيضا عندما شرع فى تسجيل قصة حياة أم كلثوم فى نهاية الستينيات لتقديم فيلم «ثومة» الذى كان من المفترض أن يخرجه يوسف شاهين، وعندما وصل إلى شاطئ الحياة الشخصية وجدها لا تسمح له بأن يطرق الباب، لجأ إلى وزير الثقافة ثروت عكاشة باعتبار الوزارة هى الجهة التى سوف تنتج الفيلم لكى يساعده على إقناعها، ولكنها قالت له «بعدما أموت افعلوا ما تريدونه» ورفضت أن تحكى شيئا، والغريب أن المسلسل والفيلم اللذين تناولا قصة حياتها بعد رحيلها حرصا على أن تظل أم كلثوم الملاك والقديسة.
الآن استطاعت الفضائيات تحطيم الكثير من تلك «التابوهات» كما أن المشاهد بات يُقبِل بنهم على هذه النوعيات التى صارت تشكل مورد رزق للفنانين، الأرقام التى يحصل عليها النجوم عندما يبيعون أسرارهم للفضائيات هى الطعم لإقناعهم بالتسجيل، الكل الآن عرف سر هذه البرامج وهو إذاعة السر، وإذا لم تجد فى حياتك سرا غامضا عليك أن تخترع سرًّا، فلم تعد الدنيا كما قال يوسف بك وهبى مسرحا كبيرا ولكنها سر كبير!!
النجم الذى يقدم حلقة متحفظة أو منزوعة الأسرار يفقد مع الزمن جاذبيته ولا يفكر أحد فى استضافته مجددا، لا يكفى أن تكون نجما كبيرا المهم أن تعلن للمشاهدين سرا كبيرا.
وهكذا مثلا فى رمضان الماضى كان المذيع اللبنانى نيشان فى برنامجه «أنا العسل» هو الذى استحوذ على القسط الوافر من هذه الأسرار.
النجم سواء أكان رجل سياسة أو فنانا يعتبر أن وقته يساوى الكثير، وفى العالم نكتشف أن الشخصية العامة لا تحصل فقط على الأجر من خلال تلك البرامج، ولكن عندما يحضر حفلا أو يشارك فى تظاهرة عامة، ويتفوق رجال الفن على السياسيين فى هذا المجال، أشارت إحدى المواقع الإخبارية إلى أن عارضة الأزياء البريطانية كيت موس تحصل فى الساعة على قرابة 4 آلاف إسترلينى وجونى ديب على 11 ألفا بينما رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير لا يتجاوز أجره 800 جنيه فقط. كلينتون الرئيس الأمريكى الأسبق يعزف على «الساكسفون» ويشارك فى حفلات ويتقاضى أجرا ليس لأنه عازف ماهر، ولكن لأنه كان رئيسا لأمريكا لم يشر الموقع إلى حقيقة أجره، ولكن المؤكد أن جونى ديب يتفوق عليه فى هذا الشأن!
نجومنا لا يشاركون فى الحفلات مقابل أجر، ولكنهم وجدوا فى تلك البرامج مساحة للظهور ولتحقيق أموال وأيضا أصحاب تلك البرامج يلعبون أحيانا ببعض الأوراق بعض الوقت، هل تتذكرون مثلا شعبان عبد الرحيم الذى كان ورقة رابحة فى مثل هذه البرامج، ثم بعد أن استنفدوه وعصروه حتى آخر قطرة وآخر، إيفيه، بحثوا عن غيره، وهو ما تكرر أيضا مع مريم فخر الدين التى أذاعت الكثير من الأسرار ووجهت الاتهامات والفضائح للجميع ولم يعد لديها متسع منها فأصبحت فى السنوات الأخيرة خارج الأجندة البرامجية.
هناك نجوم بطبعهم لا يمكن أن تجدهم فى مثل هذه النوعيات مثل محمود عبد العزيز ويحيى الفخرانى وفاتن حمامة لا يرحبون بأن يقفوا أمام مذيع ينتزع اعترافاتهم أو خياناتهم أو حتى آراءهم، قال طونى خليفة إن عادل إمام رفض أن يشارك رمضان الماضى فى حلقة من برنامجه «زمن الإخوان» والخلاف كان ماديا لم يشر إلى الرقم ولكن أتصوره بمقياس قانون العرض والطلب يصل إلى المليون.
إنها صفقات تجارية وأغلب نجومنا وجدوها «سبوبة» إضافية اختراع يا «كوتش»!!