«مش قولتلك يا حاج .. بنزين في التنك ولا فلوس في البنك .. أهو أنت واقف في الطابور زيك زي الواد مصطفى الي بتاع التوكتوك الي واقف قدام هناك ده .. شايفه .. بس هو عقبال أملتك بينه وبين المسدس يجي عشرين عربية بس .. لكن إحنا ربنا يتولنا برحمته .. وأنا عشان بعزك يا حاج حسن هخليك تدخل قدامي ولو أطول أشيل المرشيدس وأوديهالك هناك عند المسدس إنت عارف غلاوتك عندي والله»
هكذا كانت الكلمات تأتي من الواقفين أمامي في الليلة المشؤمة التي قررت فيها التوقف بسيارتي على طريق إسكندرية القاهرة الزراعي أنا وزوجتي التي يبدوا أن هذه اللية أنشأت بيني وبينها علاقة ثالثة غير أنها زوجتي وأم أبني هذا طفل الرضيع الذي على يديها يتأملني ثم إبتسم لي بسخرية تبدوا وكأنها عتاب عن هذا الزمن الذي هو واضح كالشمس من بدايته وتلك اللحظة السوداء التي قررت أنا ومن تحمله أن نأتي به إلى هذا البلد البائس.
بعد أن تحرك الحاج حسن إلى اليسار قليلاً ليرى طول هذا الصف سمعت ما لم أكن أتوقعه:
«ياد يا أحمد .. هم يجوا حوالي ٢٥ عربية بس الي في الصف»
«لا يا حاج .. البنزينة في الشارع التاني والصف ده واخد شارعين .. يعني بالويم كدة قدامنا يجي ٨٠ عربية»
هكذا كانت الكلمات تجلدني و الشمس تتساقط أمامي ببطئ على الأشجار البعيدة حتى غابت بين أغصانها وغابت عين طفلي معها بين رموشه وكأنما يتركني أنا وأمه نواجه مصيرنا وحدنا في تلك الليلة الحزينة.
«أمال إنت فاكر إيه ده أنا خايف إننا لما نوصل للمسدس يكون البنزين خلص .. وساعتها هنستانا العربية لما تيجي بعد يجي ١٢ ساعة كده .. أقولك على حاجة يا حاج .. روح أنت وسبلي المفتاح وأنا هبقى أحرك عربيتك وانزل أحرك عربيتي بعدها عشان متقفش كتير»
ما زالت زوجتي صامته ولم تقل شيئاً رغم أني أعلم ما يدور في عقلها وتلك الكلمات المحفوظة التي أنتظر سماعها « مش هو ده مرسي الي أنت خلتني أنتخبه .. إشرب بقى وشرب عربيتك معاك » لكنها لم تقلها هذه المرة ربما لأنها تعلم أنني في حالة شديدة من الغضب الذي يلا يحمد له رد الفعل الذي من الممكن أن تراه مني.
نظر إليه الحاج أحمد ويبدو وكأنه يخشى على سيارته الفارهة من أن يتسبب صاحب تلك السيارة العتيقة في أزمة مع التكنولوجيا الحديثة.
« لا يا أحمد .. أصل العربية بتشتغل بالبصمة وممكن تقف منك وتحتاس معاها وتعطل الدنيا »
مرت الساعة وراء الأخرى والصف لا يتحرك إلى ببطئ شديد وزوجتي أتخذت من رضيعها قدوة ونامت على الكرسي وطفلها على قدميها، ولم تمر دقائق إلا وانقطعت الكهرباء.
«يا ليلة سودة يا حاج .. الكهربا قطعت ومكنة البنزين مش هتشتغل .. أقولك أقفل العربية وتعالى نقعد عالقهوة الي في النحية التانية دي نشرب شاي لحد ما الكهربا تيجي .. أصل الطابور مش هيتحرك غير لما تيجي الكهربا .. إدعي أنت بس إنها تيجي بسرعة»
«اللهم بلغنا المسدس»
بعد ساعة عادة الكهرباء وعاد معها الحراك و وصل الحاج حسن بسيارته الفارهة إلى المسدس حتى جاءته الطامة الكبرة
«فول ٩٢» .. هكذا طلب الحاج حسن بكل سعادة بالغة
«مفيش غير ٨٠ بس يا حاج» .. هكذا صدمه الشاب الذي يحمل المسدس
«ماتحط ٨٠ يا حاج وخلاص .. هي يعني العربية هترجعه»
«إسكت إنت يا أحمد.. دي عربية إنجكشن وبالكمبيوتر ومابتخدش غير ٩٢ وإلا الإنجكترات هاتتسد والعربية تعطل»
نظر إليه هشام بكل ثقة وقال « إبقى سلكها بعدين .. يا إما تستنى أفول أنا وأبقى أشدهالك لأي بنزينة تانية في بنزين من بتاع الناس الأغنية»
«خلاص حط بعشرة جنية بس وربنا يستر»
وها أنا قد وصلت لمسدس الحياة بعد معاناة بلغت سبعة ساعات حتى دخلت بيتي مع آذان الفجر وقت إستيقاظ مرسي الذي كان نائماً في ملكوتٍ أخر.