إذا كنت لا تعتقد أن «الجماعة» عملاء وخونة، وفقا لما جاء فى كثير من كتب عدد كبير من المستشرقين مثل «داريفوس»، فمن المؤكد أنك- على الأقل- أدركت أنهم لا يصلحون لحكم مصر. أمامك جماعة ترفض أحكام القضاء وتستخف بالقوانين، وتكره القضاة إلا من تمسح وتمرغ فى ترابها. رأيت بأم عينيك جماعة لا يعنيها سوى وضع أفرادها فى مواقع غير مؤهلين لها، وأن كل من يختلف معها مصيره الإبعاد من موقعه ومطاردة بالشائعات والتهم الباطلة. سمعت بأذنيك فكرها الإقصائى المُشيد على تل من الكراهية والإقصاء والتهميش والترويع والقتل. أظن أنك تأكدت أنها جماعة صانعة للإرهاب وداعمة للقتلة ومحرضة على الجرائم، ألم يقل أحد تابعيها إن الرئيس أخبره بأن الشيعة أخطر على الإسلام من الصهاينة؟ رأيتهم طبعا وهم يتوعدون الأغيار، أى نحن، بالويل والثبور وعظائم الأمور، رأيتهم فى مؤتمراتهم التكفيرية فى حضور من يحكم مصر. ولا يمكن إلا أن تكون عرفت أنهم يديرون مصر بطريقة دكاكين البقالة. مؤكد أيضا أنك لمست أنها جماعة ضد الفكر والإبداع وتحارب العلم والتطور. إذا كنت تعرف ذلك وأكثر، فمن المؤكد أنك نازل يوم ٣٠ يونيو لتقول «لا» للظلم والرجعية، لا لتدير الوطن وتبيعه لأعداء يتربصون به. طبعا تعرف هناك محاولات مستميتة من جماعة العار لإجهاض هذا اليوم.
تعرف أنهم استعانوا بالقتلة وأرباب السجون وكارهى الحياة ومشوهى الإسلام الحنيف ليرهبوك بأنهم يمتلكون أسلحة وسيفعلون كذا وكذا، كل هؤلاء كانوا يتحركون كعرائس الماريونيت فى أصابع بعض ضباط أمن الدولة. هؤلاء يدعون للجهاد وتراهم على الموائد أول الجالسين، تجمعهم عصا ضابط وتفرقهم غنيمة تافهة. فضلاً عن أن من يهدد هم المرتعشون والخائفون، ألم تروهم على شاشات التليفزيون بعيون زائغة وقلوب مرعوبة من ذلك اليوم الذى أظن أنه آتى أكله حتى قبل أن يجىء؟
الجماعة وضعت مخططاً لدخول بعض المتظاهرين الموالين لها والهتاف ضد الجيش، سبق أن لعبت اللعبة نفسها ونجحت، فلا ينبغى لها أن تنجح هذه المرة، وعلى المغرر بهم أن يعوا أن الجيش هو الرمز الأول للوطنية ولا تجوز إهانته تحت أى مسمى أو أى ظرف. الجيش ركيزة لهذا الوطن وذراع لاستقراره ويد طويلة على أعدائه. هناك قلة من الجهلاء والمأجورين مازالوا يرددون بغباء منقطع النظير: «يسقط حكم العسكر».
سيقولون إن الخارجين ضد نظام ساقط قانونا ومدمر للوطن علانية هم ضد الإسلام، قل لهم وحدكم ضد الإسلام، وحدكم من يشوه صورته العظيمة، وحدكم من تعملون ضد مبادئه السامية، وحدكم من ينسب كل الموبقات لدين لا يعرف غير مكارم الأخلاق، وحدكم يعمل لصالح أعداء الإسلام بتصرفات وأفكار يبرأ منها ديننا العظيم. قل لهم: لا يضر الإسلام أن يسبه عشرات أو آلاف المجانين، لكن يضره بشكل بالغ جريمة مثل تلك التى وقعت فى عزبة أبومسلم بـ«أبوالنمرس». فهل يهتز الجبل حين ترشقه بحجر، وهل تترنح شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء من توقف غراب على جذعها؟ جهلهم أعماهم عن رؤية رد الفعل فى مختلف أنحاء العالم، لقد أظهر معظم وسائل الإعلام العالمية هذا الحادث على أنه الإسلام وليس من ينتسب زورا وبهتانا للإسلام.
سيقولون إن كثيرا من «الفلول» يقفون وراء هذا اليوم العظيم، قل لهم ليس فى هذا الوطن منتصر ومهزوم، وأنه لا فرق بين مصرى وآخر إلا بالوطنية وطهارة اليد ونبل المقصد، وأنه لا تعامل مع من ثبت أن يده تلطخت بالدماء وجيوبه انتفخت بالفساد. قل لهم أنتم من وضع يده فى يد من نهبوا ثروات البلاد وجعلتموهم طلقاء مقابل أن تكونوا شركاء فى غنائم الوطن.
سيحاولون الضحك على البسطاء والأميين بأن المتظاهرين كفار وعلمانيون، أو من الذين تدعمهم الكنيسة المصرية لكى يحكم المسيحيون مصر، قل لهم، وأثبت قولك بالفعل: إن المصريين على قلب رجل واحد لحماية وطنهم من المغول الجدد، وأن رفض حكم الجماعة يحظى بإجماع وطنى، وأنكم أصبحتم عقبة فى وجه حرية وتطور هذا الوطن، ولكى ننفض عنا عباءة الفقر والتخلف لابد من الخلاص من أهم أسباب ذلك.
لقد عرفتم لماذا يكرهون القضاء ويحاولون تدميره لأن فيه رجالا يضعون رقابهم على أكفهم فداء للوطن. يكرهونهم لأن فيهم رجالا مثل هيثم فاروق، رئيس نيابة الإسماعيلية، الذى قدم مرافعة تاريخية ستحفر فى السجل القضائى كإحدى أهم المرافعات العظيمة، فى قضية «وادى النطرون»، بدأها بقوله تعالى: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين». مضيفا أن «من يدعون الإسلام قتلوا وسفكوا الدماء لتولى السلطة فى البلاد، وثبت يقيناً للمحكمة، عندما شاهدت الاسطوانة المتعلقة بالمكالمة التى تمت فى ساحة السجن، أن من أجراها هو من يجلس الآن على كرسى الحكم، وأن المحكمة استمعت إلى أقوال شهود حملت من الوقائع أقل ما توصف به أنها خيانة للوطن وغدر بالشعب وخسة فى الغاية، من فئة لا تعرف فى أعمالها طريق الحق».
وقال بلغة الواثق الشجاع والمحقق النبيل والبطل المغوار: «نعيش مأساة حقيقية حين يتبين أن الدواعى المحركة لتلك المؤامرة لا تنبعث عن مجالات عقائدية، بقدر ما تنطلق من قلوب مريضة، أتلفها خمر السلطة، فأبت أن تفيق من سكرتها، ولم يكفهم امتزاج خمر السلطة فى كأسهم بدم آلاف الشهداء الذين سقطوا، فوقفوا على أجسادهم لتمتد أياديهم إلى زمام الأمور».
فهل مازال فينا من يقبل أن تحكمنا عصابة متهمة بالخيانة العظمى ومحرضة على القتل وساعية لإفقار الشعب وإذلاله؟