«بالذل لا لن أرتضى» هذا أكثر ما أعجبنى من أجزاء مما أطلق عليه «نشيد تمرد» الذى استحضر الأغنية الوطنية القديمة المحفورة فى وجداننا «الله أكبر فوق كيد المعتدى». وتوقفت أيضاً أمام ما ذكره أحد المتحدثين عندما استحضر كلمة الزعيم المصرى الراحل مصطفى النحاس عندما قال: «إن من يتنازل فى حق بلاده مرة واحدة يبقى مزعزعاً سقيم الوجدان».
أعتقد أن استحضار هذه المعانى والمواقف من عمق وجداننا وتاريخنا هو تعبير عن تلك الحالة التى يمر بها قطاع كبير من المصريين، الذين قرروا أن يصرحوا بأنه فاض بهم الكيل فقرروا أن يخرجوا ليغيروا الواقع الذى يعتبره كثيرون اختبارا صعبا من الله، ليعيد به المصريين إلى رشدهم ويكشف به تلك الأكذوبة التى سكنت العقول عشرات السنين، أن هؤلاء المتأسلمين هم الحل، وكشف وهم قوى الإسلام السياسى ومخططات تنظيماته التى تتخطى حدود الوطن ومصالحه. لكن السؤال المطروح: ماذا نتوقع من الجماهير، وماذا نتوقع من الجيش؟ الإجابة عن هذا السؤال واضحة وبسيطة لكن تنفيذها يتطلب إرادة وفهما وإدراكاً وإصراراً.
الجيش هو جيش الشعب ولن ينحاز ضد إرادته يوماً، ولن يلعب لعبة الحسابات والمصالح ولكنه فقط سيقوم بما اعتاد عليه دوماً، وهو حماية الوطن، لكن لظروف وأسباب كثيرة ومعقدة داخلية وخارجية لن يكون الجيش هو المبادر بالفعل، لأن الفعل ينبغى أن يكون فعلاً شعبياً تبنى عليه مؤسسات الدولة المصرية، وفى مقدمتها الجيش، مواقفها الداعمة. ببساطة لكى تتخذ مؤسسات الدولة موقفا إيجابيا وداعما لعودة مصر المختطفة فإن ذلك يجب أن يكون تاليا لإعلان الشعب عن رغبته فى التغيير وترجمة ذلك بالفعل الجاد المكثف والاستمرار فى هذا الفعل. ليس المطلوب فقط النزول للتظاهر يوم الأحد المقبل، ولكن المطلوب الاستمرار فى هذا التظاهر والتواجد بسلمية حتى يفرض الشعب رغبته، عندما يحدث هذا فإن الأكيد أن مؤسسات الدولة المصرية، وفى مقدمتها الجيش، سوف تدعم خيار الشعب وقراره، وعندها لن تنفع رغبة أو ضغوط غربية فى فرض واقع يرفضه الناس. الناس هى الأساس والجيش حامٍ للإرادة الشعبية.
هذا الموقف لمؤسسات الدولة يأتى تعبيراً عن علاقة الغربة التى تشعر بها هذه المؤسسات الراسخة فى الدولة المصرية تجاه حكم الجماعة، التى تمارس ممارساتها اتساقاً مع مفاهيمها واعتقاداتها التى ثبت أنها متناقضة مع ثوابت الدولة المصرية، ولعل الموقف الأخير من رئيس النظام فى الصالة المغطاة، فيما عُرف بمؤتمر مناصرة سوريا، هو تعبير واضح عن هذه الغربة بين نظام الجماعة الحاكمة ورئيسها وبين جسد الدولة. وهذا ينطبق على معظم سياسات النظام الداخلية والخارجية، ببساطة هذا رئيس ضد مؤسسات الدولة المصرية، لذلك من الطبيعى أن تعلن هذه المؤسسات انحيازها للناس، ولكن بشرط أن يعلن الناس عن موقفهم ويثبتوا عليه. على الرغم من إعلان معظم هذه المؤسسات حيادها وعدم انحيازها لفصيل ضد فصيل، فإنها جميعا أكدت وقوفها إلى جانب خيار الشعب، سواء فى ذلك المؤسسات الرسمية أو الأزهر والكنيسة.
ما أريد قوله أنه ينبغى ألا نقف انتظارا لآخرين أن يتحركوا، ويجب ألا نترك أى إحساس باليأس أو الإجهاد فرصة ليتمكن منا، وأهم عناصر النجاح هو القدرة على الاستمرار.
يوم الأحد ينبغى عدم التعامل معه على أنه النهاية، بل هو بداية لتصحيح مسار وطن اختطف، امتلاك رؤية لليوم التالى مسألة غاية فى الأهمية، لذلك أدلى برؤية متواضعة علّها تتكامل مع رؤى أخرى.
خطوات اليوم التالى:
- الإعلان عن مرحلة انتقالية لمدة سنة مبدئياً يتولى فيها الجيش والمحكمة الدستورية، بتشكيلها السابق، قيادة المرحلة الانتقالية.
- إلغاء الدستور الأخير والعودة إلى دستور ٧١ والتعديلات التى أدخلت عليه عام ٢٠٠٧، والتعديلات المناسبة من المواد المستفتى عليها فى مارس ٢٠١١، على أن تتولى مراجعة ذلك المحكمة الدستورية العليا.
- حل مجلس الشورى الحالى والمؤسسات التى أنشئت فى ظل النظام الإخوانى أو أعيد تشكيلها.
- إعادة فتح الباب لتأسيس الأحزاب الجديدة وتوفيق أوضاع القائمة وفقا للدستور.
- تشكيل حكومة إنقاذ وطنى من الخبراء لتولى شؤون البلاد فى حماية الجيش ورقابة المحكمة الدستورية.
- تشكيل لجنة أو جمعية وطنية لصياغة الدستور الجديد تضع شروط عضويتها المحكمة الدستورية بعد التشاور مع القوى الفاعلة فى المجتمع.
- وضع خارطة طريق واضحة تحدد الخطوات التالية وفقاً لبرنامج زمنى محدد بقدر الإمكان يرتب لكتابة الدستور والاستفتاء عليه، ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.