بدأت القوى السياسية المعارضة لمحمد مرسى وجماعته فى حشد قواها من أجل التظاهر فى مختلف ميادين مصر بدءاً من الغد حتى تصل لنقطتها القصوى يوم 30 يونيو، الموعد الرسمى لنزول المصريين ضد حكم الإخوان.
وقد اعتبر البعض أن هدف إسقاط مرسى يوم 30 يونيو أمر يجب ألا يخضع للمساومة، وبدأ فى الحديث عن سيناريوهات «ما بعد الرحيل»، فطالب بأن يكون رئيس المحكمة الدستورية العليا هو من يقود البلاد فى المرحلة المقبلة، وطالب البعض الآخر بأن يشكل مجلس رئاسى مدنى، وهى كلها أمنيات ستحسمها اعتبارات كثيرة على الأرض، منها قوة المشاركة الشعبية، وموقف الجيش من الرئيس وجماعته والمحتجين وأنصارهم، وحجم المواجهة بين الفريقين.
فى حين تمسك تيار واسع من المعارضة والشارع بخيار ديمقراطى آخر وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بعد أن شاهدوا حجم الفشل المرعب فى إدارة الإخوان للبلاد، والطريقة الإقصائية التى تعاملت بها الجماعة مع خصومها وحلفائها السابقين على السواء.
والمؤكد أن من يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة ليس فقط الشباب الثورى، إنما قطاع واسع من المصريين لم يعد راغباً فى سماع أى شىء عن الرئيس وجماعته رغم وعيهم التام بصعوبة المهمة وبالثمن الباهظ الذى سيدفعه المجتمع المصرى جراء فشله فى تخطى أولى درجات سلم التحول الديمقراطى. فالقضية هذه المرة ليست إسقاط رئيس ولكن إسقاط رئيس منتخب اختاره حوالى 13 مليون مصرى (حتى لو غيّر معظمهم رأيهم فيه)، وبالتالى فإن فشل مرسى على خلاف فشل مبارك يعنى فشلاً لنا جميعاً وليس فقط لنظامه.
وبالتالى هذا الجنوح نحو ترديد جملة إسقاط النظام دون بحث البديل الممكن أمر سيضر أبلغ الضرر بقضية التغيير فى مصر، فمصر لم تصبح أفضل بعد سقوط مبارك، وقد تصبح أسوأ إذا سقط مرسى دون بديل ديمقراطى واضح، لأن المطلوب هو تغيير النظام وإنهاء سيطرة الإخوان عبر سلسلة من الإجراءات تبدأ وبالحد الأدنى بتغيير الحكومة لصالح حكومة خبراء ومستقلين من خارج الأحزاب، (بما يعنى ضرب مشروع التمكين والسيطرة فى مقتل ولو مؤقتاً)، وتنتهى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كمطلب ديمقراطى يحترم الآليات الديمقراطية.
وإذا كان من غير الوارد أن يقبل الإخوان تقديم أى تنازل فهم يعتبرون أنفسهم على حق والجميع على باطل، وسيدخلون البلاد فى نفق مظلم بسبب تسلط قادتهم واستعلائهم، فإن القوى المدنية الجديدة التى تتحرك بعيداً عن الأضواء مطالبة ببناء بديل سياسى وديمقراطى لحكم الإخوان.
إن سيناريوهات ما بعد 30 يونيو هى 4، وسيحسمها حجم المشاركة الشعبية وقدرة الناس على الصمود والاستمرار بشكل سلمى فى التظاهر والضغط حتى تتحقق مطالبها فى وضع إطار دستورى وقانونى جديد لإطلاق عملية سياسية جديدة:
السيناريو الأول أن يشارك ملايين المصريين فى مظاهرات 30 يونيو وينهار نظام مرسى بسهولة، ويُجبر على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ويستلهم هذا السيناريو ما جرى مع مبارك من مظاهرات الـ18 يوماً وأدت إلى تنحيته عن السلطة، ويتناسى أن نظام مرسى يعتمد على جماعة عقائدية (أو شبه عقائدية) تعتبر نفسها تدافع عن الحق فى مواجهه الباطل، وهناك جزء فاعل من الشعب المصرى مازال يؤيد مرسى وجماعته، وهو أمر يختلف عن دعم «الهواة» لنظام مبارك ومظاهراتهم أثناء ثورة 25 يناير.
ولذا فلا مكان لأى تصورات إقصائية للتيار الإسلامى يتصور فيها البعض أنهم سيختفون من الوجود أو سيهاجرون أو سيرسلون للسجون، إنما لابد من البحث فى صيغة للتعايش المشترك تضم كل التيارات السياسية بما فيها الإخوان، ولكن دون استحواذ أو سيطرة، وهى عملية لن تكون سهلة فى ظل حالة الاستقطاب الحالية التى تتحمل فيها قيادة الجماعة مسؤولية الكارثة التى تشهدها مصر وحجم الكراهية الذى نالها من تيار واسع من الشعب المصرى.
السيناريو الثانى هو أن تستمر التظاهرات الكبيرة لبعض الوقت، ويأتى رمضان والأجواء الحارة ويبدأ الناس فى العودة لبيوتهم بعد أن فشلوا فى إسقاط الرئيس، ويستعدون لجولات أخرى ستحسم بالنقاط وليس بالضربة القاضية، أى أن قصة مرسى وجماعته ستستمر معنا لفترة أطول ولن تحسم فى موقعة يونيو.
السيناريو الثالث هو تكرار لسيناريو مبارك ولكن بصورة أعنف، أى أن تستمر المظاهرات ويتخللها عنف يحسم مسارها الدولة المصرية أو ما تبقى منها، أى الجيش (أثبت أنه جيش الدولة وليس النظام) الذى لن يتدخل بـ«يوليو جديدة» وبانقلاب ثورى ينقض على السلطة، إنما من أجل مواجهة العنف، ثم الضغط على السلطة السياسية من أجل إطلاق عملية سياسية جديدة تجرى فيها انتخابات رئاسية مبكرة أو تغيرات جذرية فى بنية النظام الحالى (تغيير شامل للحكومة والمحافظين والنائب العام)، وهنا لن يكون الجيش فى كل الأحوال طامحاً وربما قادراً (لاعتبارات داخلية ودولية) على تولى السلطة بطريقة انقلابية.
على الأرجح لن تستطيع القوى السياسية، كما جرى فى 25 يناير، حسم معركة السلطة بمفردها، وإن دور الجيش سيكون حاسماً، كما جرى مع مبارك حين تخلى عنه فحسم المعركة فى أقل من 18 يوما، ويبقى أن طبيعة هذا الدور ستتراوح بين دور الوسيط بين الأطراف السياسية، والضامن لعملية سياسية نزيهة وجديدة.
السيناريو الرابع أن يستجيب مرسى ويجرى إصلاحات هيكلية فى بنية نظامه (تغيير شامل للحكومة، ونائب عام جديد ومحافظون) وقد يقوم بهذه الإصلاحات متأخراً لأنه بالتأكيد لن يقوم بها قبل 30 يونيو (أى فى خطاب أمس)، وقد يقبلها الناس وقد لا يقبلونها، ولكن المؤكد أن الجماعة فى ظل قيادتها الحالية غير قادرة على إجراء أى إصلاحات أو مراجعات من أى نوع إلا لو شعرت بأن كيانها مهدد بفعل الضغوط السلمية لملايين المصريين.
على الجميع أن يدفع من أجل إنجاح التظاهر السلمى والدفع بملايين من أبناء الشعب المصرى للتعبير عن رفضهم لحكم مرسى سلمياً، فمن حكومة فاشلة إلى حركة محافظين أفشل إلى انتقام وتصفيه حسابات مع الدولة ومؤسساتها، نقلنا حكم المرشد من فشل إلى فشل.
ثقوا فى الشعب المصرى ليس فقط كصوت احتجاج، إنما كشعب قادر على بناء نظام ديمقراطى بديل لحكم الإخوان، وعلى الجميع أن يتجاوز أخطاء الماضى ويعتبر أنه هذه المرة يواجه فريقاً سياسياً سيظل موجوداً ولو فى المعارضة، فالمطلوب هو تغيير قواعد اللعبة السياسية من دستور وقانون انتخابات وحكومة فاشلة ومحافظين أفشل، ووضع أساس لنظام جديد ليس مهماً من سيحكم فيه لأنه سيكون على أسس عادلة وشفافة، لا أن نسقط رأس نظام ونحتفظ بنفس عيوب النظام القديم القابل للتوظيف مرة أخرى من قبل أى مستبد آخر بلحية أو بغير لحية.