لا أتصور أن المهلة التى حددها بأسبوع الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع لتبدأ المصالحة مجرد كلمة عابرة أو أن الأسبوع لا يعنى فقط سبعة أيام، الأمن القومى يتابع ما يجرى بكل دقة ولم يغب أبدًا ما حدث يوم الجمعة الماضية من التيار الذى يلصق نفسه بالإسلام وكأنهم فقط هم المسلمون والآخرين كفار. كان المشهد ينذر بالكثير من المخاطر، تلك الوجوه التى رأيناها وهذه الشعارات التى تذكِّرنا بالمسلسلات التليفزيونية التى كان يخرجها الراحل أحمد طنطاوى فى السبعينيات حيث ترى عيونا تحمل قسوة وقسمات تخاصم التسامح ورغم ذلك يعتقدون أن هذا كان هو حال المسلمىن فى صدر الدعوة، هذه الملامح النافرة هى التى تدفعنا لكى نخرج يوم 30 يونيو لنقول للعالم ليست هذه هى مصر وليس هذا هو الإسلام، إنهم أعضاء فى جماعة ترى مصر مجرد دولة صغيرة حدودها ليست هى الوطن الذى نعرفه ولكنه العالم الإسلامى، تنكَّروا فى أدبياتهم لمفهوم الوطن واستبدلوا به العالم الإسلامى، هذا هو المشهد الذى يريدون له الثبات والرسوخ، رأيناهم يعترضون مؤخرًا فى سبيل تحقيق ذلك على نشيدنا الوطنى «بلادى بلادى» الذى كتبه الشيخ يونس القاضى ولحنه الشيخ سيد درويش، لاحظ أنهما يحملان لقب شيخ، النشيد بدأنا ترديده منذ عام 1923، ورغم ذلك قالوا إنه يحضّ على الكفر ويخاصم صحيح الدين بتلك الشطرة «مصر يا أم البلاد» قالوا لا «مكة» هى أم القرى وبالتالى أم البلاد وليست مصر، ولهذا ينبغى أن يلغَى النشيد أو يعاد تسجيله لنهتف «مكة يا أم البلاد».
تخيلوا أن تلك العقول المتصلبة هى التى تحكم مصر الآن، هل رأيتم إلى أى مدى نواجه مرجعيات صماء تقيس كل شىء بمنظور إسلامى مباشر لا يعرف قواعد القياس، ويتناسون عن عمد أو جهل أن هناك الكثير من أمور الدنيا لها قواعدها، هم لا يدركون أن للشِّعر قانونه ولهذا يرفضون كل الفنون لأنها بطبعها لها قانونها الخاص.
هذه المرجعيات هى التى غيَّرت مؤخرًا نشيد «لبيك يا علم العروبة» بعد أكثر من 60 عامًا ليرددوه فى كل منتدياتهم «لبيك إسلام البطولة»، متجاهلين أن علم العروبة يعنى الأمة العربية كما أرادها المطرب اللبنانى محمد سلمان منذ أن غناها فى منتصف الخمسينيات عندما كان الإحساس القومى العربى فى أوجّ توهجه، يريدون كل شىء مصبوغًا برؤية إسلامية لكى يمنحوه قداسة. لا أتصور أن تلك الحالة التى تتدثر بالدين سوف تنجح فى تحقيق مآربها والقوات المسلحة لا يمكن أن تنتظر حتى تتفاقم الأمور أكثر.
هناك شعاع ضوء من الممكن أن تراه يريد لمصر الأمان، الأغلبية تسعى لكى تُخرج مصر إلى طريق النور، ولكن أعضاء الجماعة لا يعنيهم فى كثير أو قليل أن يراق الدم المصرى، إنها نفس العقول التى اقتحمت قبل يومين منزل أسرة شيعية آمنة ومؤمنة وكادت تفتك بها على اعتبار أنهم كفار رغم أن الأزهر الشريف يعترف بالمذهب الشيعى ويدرّسه للطلبة ولكننا نواجه جماعة ترى فقط أنها صاحبة الحق الوحيد والمطلق.
محمد مرسى هو رئيس لفريق واحد بينما الأغلبية لا تعترف به رئيسًا وهو قد اكتفى بهذا القدر، فهم أهله وعشيرته، هل يملك الجرأة أن يفعل مثل عادل الخياط محافظ الأقصر الذى تقدم باستقالته؟ سيقولون «هناك مَن يؤيد مرسى» أقول لكم وهناك أيضًا مظاهرات خرجت من الأقصر وهى تؤيد الخياط، الكل يعلم أنك من الممكن أن ترد بمظاهرة، وهو ما فعله وزير الثقافة المغضوب عليه من المثقفين عندما نظم عدد من أتباعه مظاهرة أمام وزارة الثقافة، فهل منحه ذلك أى مشروعية؟!
لماذا لا يفعلها مرسى والجماعة، لقد فشلوا فى الحكم ولم يحققوا لمصر أى وعد مما قالوه للناس، أمام مرسى فرصة واحدة أن يجنّب مصر نزيف الدم ويتقدم باستقالته، هو يعتقد أن الإعلام سر الإخفاق المتكرر لأنه يناصبه العداء فأين هى الإنجازات؟! الناس لا تحتاج إلى إعلام يقول لها إنها تعيش فى أمان ولكنهم يعيشون الأمان.. ولا أزال رغم كل الضباب الذى يخيم على المشهد أرى بصيصا من ضوء يلوح من بعيد فهل تراه معى؟!