عندما جاء وزير الخارجية الأمريكى الجديد، جون كيرى إلى القاهرة اكتشف أن ما ترسله السفيرة من تقديرات فى تقاريرها لا علاقة له بما يجرى على الأرض فى مصر، فالسفيرة كانت تزين لهم الوضع فى مصر، تقول لهم إن الجماعة ورفاقها يسيطرون سيطرة كاملة على الأوضاع فى مصر وإنهم الأقدر على الحكم والأكثر توافقا مع المصالح الأمريكية. أكثرت السفيرة من زياراتها للمرشد العام للجماعة وعددت لقاءاتها مع رجل الجماعة القوى، المهندس خيرت الشاطر، كانت تريد إنقاذ مشروعها بأى ثمن، التأكيد أن الجماعة ورفاقها هم الأقدر على حكم مصر، بل والمنطقة ككل، وأن مصلحة واشنطن المباشرة تتمثل فى التحالف مع تيار الإسلام السياسى الذى وصفته بالمعتدل. سببت التطورات فى مصر قلقا شديدا للسفيرة، فقد رأت القوى المدنية تعيد تنظيم صفوفها، جبهة الإنقاذ تحاول التماسك، والأكثر أهمية أن المعارضة الشعبية لحكم مرسى والجماعة بدأت تتصاعد نتيجة الإخفاق الشديد فى كل المجالات من اقتصادية واجتماعية وأمنية. جاء التحول الأبرز مع ظهور حركة تمرد على يد مجموعة من الشباب المصرى، وهى حركة استندت إلى فكرة بسيطة، وهى جمع توقيعات المواطنين المصريين بسحب الثقة من محمد مرسى بسبب فشله فى إدارة شؤون البلاد، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
استهدفت الحركة جمع خمسة عشر مليونا بما يزيد بنحو مليونى صوت عما حصل عليه مرسى فى انتخابات الرئاسة. سارت الحركة فى طريقها وحققت إنجازات كبيرة والتف الشعب المصرى حولها وسارت جبهة الإنقاذ خلفها، وحدد شباب الحركة يوم الثلاثين من يونيو الجارى موعدا لخروج المصريين إلى الشوارع فى مظاهرات ومسيرات تطالب برحيل مرسى وتنهى حكم الجماعة. هنا اضطربت السفيرة ورأت مشروعها ينهار ليس فى مصر فقط، بل وفى المنطقة ككل. فى نفس الوقت شعرت الجماعة ورفاقها بخطر شديد بعد أن شاهدت حجم التعاطف الشعبى مع حركة تمرد ومستوى التجاوب مع دعوة سحب الثقة من الدكتور مرسى. بادروا كالعادة بتشكيل حركة مقابلة سموها «تجرد» لجمع توقيعات تطالب باستكمال الرئيس لمدته الرئاسية. وعندما فشلت هذه الجهود بدأت الجماعة تصدر التهديدات لشباب «تمرد»، تحذر المصريين من الخروج فى الثلاثين من يونيو، وبعد ذلك بدأت فى توجيه التهديدات للمصريين تتوعد كل من سيخرج فى الثلاثين من يونيو، وبدأت الجماعة مع وسائل الإعلام التابعة لها فى رسم سيناريو مخيف لما سيجرى فى الثلاثين من يونيو، بدؤوا فى الحديث عن مخطط لإشعال النيران فى البلد، استخدام السلاح، هدم مؤسسات الدولة. ذهبت السفيرة إلى المهندس خيرت الشاطر فى اجتماع مغلق كانت السفيرة تستهدف إنقاذ ما تبقى من مشروعها من خلال إقناع الجماعة بإرسال رسالة إلى الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية مؤداها أن الجماعة تحظى بدعم وتأييد كبير فى الشارع المصرى، وهو ما يتم من خلال حشد الأنصار بأعداد كبيرة تقول للعالم إن غالبية الشعب تؤيد حكم الجماعة، وفى نفس الوقت يكون الحشد كبيرا على نحو يرسل رسالة خوف إلى المصريين الذين يفكرون فى النزول فى الثلاثين من يونيو. قضت السفيرة ساعات فى اجتماع مغلق مع رجل الجماعة القوى خيرت الشاطر، وفى اليوم التالى جاءت تظاهرة الإسلاميين لدعم مرسى.
خرجوا فى مظاهرة سموها «لا للعنف» لدعم الدكتور مرسى، فى هذه المظاهرة أطلقوا التهديدات بسحق كل من سيخرج فى الثلاثين من يونيو، ومنهم من كال الاتهامات لمؤسسات الدولة وهناك من وجه الإهانات للقوات المسلحة. يومان بعد المظاهرة واستعراض القوة، وصدر بيان القوات المسلحة الذى تعهد بحماية الشعب المصرى والانحياز لإرادته، وأمهل الرئيس مدة أسبوع للتوصل إلى تفاهم مع القوى السياسية المعارضة قبل الثلاثين من يونيو. وبصدور هذا البيان يكون مشروع السفيرة قد وصل إلى نهايته، وتكون التربة المصرية قد خنقت البذرة الباكستانية التى زرعتها السفيرة وتولت رعايتها وسارت خلفها الإدراة الأمريكية.
غاية ما نريد قوله هنا هو أن وجود هذه السفيرة فى مصر الآن يمثل خطرا شديدا على الاستقرار فى البلاد، فهذه السيدة التى جاءت لاستنساخ النموذج الباكستانى فى مصر القائم على ثلاثية التزاوج ما بين العسكر والساسة ورجال الدين، أصيبت بخيبة أمل على نحو جعلها تتحرك فى كل الاتجاهات لإثبات سلامة رؤيتها ونجاعة خطتها ولو كان ثمن ذلك أمن مصر واستقرارها، وهو ما لن تسمح به مؤسسات الدولة المصرية، وعلى رأسها القوات المسلحة.