سيداتى وسادتى أهنئ نفسى وإياكم فقد حصلنا اليوم على رخصة مفتوحة بالقتل مشمولة بالرعاية والتأييد من نظامنا الحاكم وأتباعه وحوارييه، فقد شهدنا عملية قتل صوتًا وصورة فى وضح النهار ولم يحرك أحد ساكنا لمنعها عندما قام نفر من المصريين بقلوب قاسية ومشاعر متحجرة بقتل مصريين آخرين على رؤوس الأشهاد وبذلك يستطيع المصريون باطمئنان أن يبدؤوا فى كراهية أنفسهم على ما وصلنا إليه، فنحن نعيش كابوسا عميقا أسود ممتدا دون نهاية نشاهد من خلاله ما لا رأته أعيننا من قبل، وكان يصعب إلى درجة الاستحالة تصوُّر حدوثه فى مصر العريقة الوسطية المتسامحة والمتصالحة منذ فجر التاريخ، هل هذه هى مصر فعلا، مصر التى يقتل أبناؤها بعضهم بعضا على خلفية مرجعياتهم الدينية؟ هذه درجة من الانحدار الثقافى والتدهور الأخلاقى والخروج عن دين الإسلام الحنيف بل الخروج عن جميع القيم الإنسانية ودخول نفق الاستهانة بالروح الإنسانية التى حرَّم الله قتلها، فبالله عليكم ماذا يفعل بعضنا ببعض وإلى أين تذهبون بنا؟ وهل تظنون أن دخول هذا النفق المظلم المهدِّد لحياة المصريين سينجو منه أىٌّ منا، لا والله أنتم واهمون، والمأساة أنه على الرغم من أنكم وحدكم الذين تسببتم فى هذا التطور الكارثى وتتحملون مسؤوليته بامتياز فإننا جميعا سندفع ثمنه الباهظ من أمننا واستقرارنا دونما ذنب جنيناه سوى أننا قد قبلنا بنظام تبين أنه يرعى الإرهاب الدينى ويغضّ الطرف عن خطابه العلنى الملىء بالكراهية والتحريض!
وغنىٌّ عن الذكر أن كل من ساهم وحرّض أو سكت سكوت الموافق أو صمت صمت العاجز على تصاعد هذا الخطاب الطائفى القائم على الكراهية على أرضية الاعتقاد الدينى هو مذنب على قدم المساواة مع المجرمين الذين سحلوا وقتلوا بنى وطنهم أول من أمس فى إحدى قرى محافظة الجيزة، ودون أدنى شك فإن ما شهدناه خلال الأسابيع الماضية من تصعيد لخطاب الكراهية والاستعداء والاستعلاء الذى بلغ ذروته فى اجتماع الصالة المغطاة الشهير الذى سمعنا فيه كلمات صريحة تدعو وتصرِّح باستهداف المواطنين على أساس دينى وعقائدى يعتبر فى نظر الكثيرين تصريحا لا موارَبة فيه بالقتل دون خشية من تجريم أو عقاب، وضوءا أخضر جليًّا لتصنيف بنى جِلدتهم على أساس عقائدى ومذهبى متجاهلين الهوية المصرية الراسخة والجامعة لكل المصريين دون تفرقة. ودعونا نذكّر أن بداية السقوط فى هذه الهاوية الخطيرة هو منحدر يصعب الرجوع منه وستطولنا جميعا نتائجه الوخيمة والكئيبة وأولنا مَن بدأ هذه الدعاوى المستهجَنة والمهدِّدة للسلام الاجتماعى والأمن القومى لهذا الوطن، وسينطبق علينا جميعا لا محالة المقولة الشهيرة «أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض»!
فهل تدرك قوى اليمين الدينى المتطرف المسماة خطأً «الإسلام السياسى» والدين منها براء، فديننا السمح الحنيف لا يدعو للقتل والسحل والتمثيل بالجثث، أقول هل تدرك هذه القوى ما تفعله بهذا البلد الكريم؟ وما هدفها الحقيقى من هذا الخطاب وهذه الممارسات؟ وهل تتخيل تلك القوى أنها مهما حاولت فلن تنجح فى أن تحول الدولة المصرية عميقة التاريخ إلى دولة فاشية متطرفة منغلقة؟ وهل تعتقد أنها يمكن أن تجرنا مئات السنوات إلى الخلف، إلى تخلف محاكم التفتيش وادعاء الاطلاع على السرائر؟ وهل يظنون أنهم سيرهبون جموع المصريين المستنيرين بالسليقة المتسامحين بالميراث والوسطيين بالعقيدة ويجرونهم معهم إلى مستنقع التطرف والإرهاب الدينى بأبشع صوره؟ لا يا سادتى.. هيهات، فالدولة المصرية الضاربة فى عمق التاريخ تمر على سطحها هذه الترهات من لحظات الانحدار الفكرى فى عمر الزمن دون أن تترك فيها أثرًا أو تمسّ جوهرها الصلب المحتضن لحرية الفكر والتعبير وقبول الاختلاف والازدهار بالتنوع.
أما أمثالنا من عموم المصريين فينظرون إليكم كقتلة يجب خضوعهم لحكم القانون الصارم، وأن ما تم برعايتكم الروحية والمادية هو جريمة لا تُغتفر، ولا يقرّها دين ولا شرع ولا قانون، وأن وقوع هذه الجريمة الشنعاء هو، دون أدنى شك، نتيجة مباشرة لدعاواكم للتكفير وخطاب الكراهية الدينى الذى تتبنونه والذى استمر يتصاعد ويستفحل تحت بصر وسمع النظام وفى حضور رئيسه وبمباركته حتى وصلنا إلى مشاهد الرعب التى شاهدناها فى الأيام الماضية.
ونحن سنستمر فى الدفاع عن احترام حرية الرأى والعقيدة لجميع المواطنين المصريين على قدم المساواة، ولن نسمح بأى حال من الأحوال بتحولنا إلى دولة فاشية بامتياز يخشى المواطن المصرى فى ظلها على حياته ولن نفقد أبدا قيمنا الإنسانية، ولن نكره أنفسنا ولا غيرنا، فنحن أقوى وأفضل من ذلك… ولا نامت أعين الجبناء!