كان العالم العربى يتابع مساء أول من أمس فوز الفلسطينى محمد عساف بجائزة «أراب آيدول» بينما الرئيس الفلسطينى أبو مازن يرسل إليه فى نفس اللحظة تهنئة حارة معلنًا تعيينه سفيرا للنوايا الحسنة مصحوبًا بجواز سفر دبلوماسى لا يُمنح إلا لصفوة رجال السياسة. خسر المصرى أحمد جمال فهل كان سيفعلها مرسى ويهنئ جمال لو اقتنص الجائزة؟ بل هل كان على دراية أصلًا بأن هناك ملايين من المصريين يتابعون «أراب آيدول»؟ لا تقل لى إن رئيسنا مهموم بقضايا أكبر، وهو يرصد حاليًّا الأصابع المنتشرة هنا وهناك والتى يعتبرها هى المسؤولة عن اليوم الموعود 30 يونيو، ولكن قبل أن نسترسل فى الأصابع نعود مجددًا إلى «أراب آيدول» فلقد اعتبر البعض أن إعلان شيرين انحيازها فى الحلقة قبل الأخيرة إلى صوت عساف على حساب ابن بلدها أحمد جمال هو الذى مهَّد لحصوله على الجائزة، بل إنها داعبته على الهواء وطلبت يده، مثل تلك البرامج تصدِّر للجمهور التلقائية إلا أن كل التفاصيل معدَّة سلفًا، فلم يكن من الجائز طبقًا لطبيعة البرنامج أن يفوز فى عامين متتالين مطرب مصرى حيث إن الجائزة كانت من نصيب كارمن سليمان العام الماضى، وربما جاء ثناء شيرين على عساف نوعا من التمهيد المتفق عليه لكى يستشعر الجمهور الذى يشكّل المصريون على الأقل 25% من قوامه بحكم الكثافة السكانية أن الأمر ينبغى أن يتقبلوه ببساطة ولا بأس هذه المرة أن يفوز فلسطينى، على المقابل فإن طبيعة البرنامج التجارية تقتضى أيضًا أن يستمر المتسابق المصرى حتى الحلقة الأخيرة وإلا تأثرت سلبًا كثافة المشاهدة وبالتالى تورتة الإعلانات التى كان نصيب البرنامج منها هو الأضخم.
الوجه السلبى لهذا البرنامج وغيره أنه يلعب دورًا فى تعميق حالة «الشيفونية»، حيث الانحياز المطلق إلى البلد الذى ينتمى إليه المطرب، ولوحظ أن أغلب الرؤساء العرب كانوا يتابعون وأبو مازن كثيرًا ما بعث برسائل إلى عساف قبل إعلان النتيجة لتعضيد موقفه، ولم يمنع ما تعيشه فلسطين من أزمات أن يشغل عساف المساحة الأكبر من مشاعر الفلسطينيين، لقد توحَّد الفرقاء على حبه فهو ابن قطاع غزة ولكن كل الفلسطينيين الذين تناحروا بين فتح وحماس وفى الشتات ضبطوا الموجة على البرنامج ورفعوا العلم الفلسطينى فى غزة والناصرة ورام الله وفى تل أبيب حيث يعيش نحو 2 مليون فلسطينى لا تزال تسكنهم فلسطين.
ما الذى كان من الممكن أن يحدث لو فاز أحمد جمال؟ هل كان سيخرج مرسى عن أهله وعشيرته الذين يحرّمون الفن ويعتبرون الموسيقى رجسا من عمل الشيطان، ويبعث برسالة إلى جمال، عملًا بالقاعدة الشرعية «الضرورات تبيح المحظورات»؟ هل كان مرسى سيتحمل غضب المرشد؟ إنها بالتأكيد خطوة لكى يداعب الرأى العام خصوصا الشباب الذين سينزل أغلبهم للمطالبة برحيله يوم 30 يونيو، فلا بأس من أن يقول لهم إنه على الخط معهم ورغم ذلك فلم يمنحه القَدَر تلك الفرصة.
لماذا يأخذنا دائمًا شاطئ السياسة بعيدًا عن «أراب آيدول»؟ هل صحيح أن الغرض هو تقديم أصوات وإنعاش الحركة الغنائية، بالتأكيد إنه الهدف الأخير، ولكن تحقيق كثافة إعلانية من خلال أرقام المشاهدات التى تشهد صعودًا من حلقة إلى أخرى هو الهدف، الناس تعيش الحياة وتعيش ثورات الربيع بآمالها المجهضة وخيبات أملها التى سيطرت على المشهد العام، تتبعهم لهذا البرنامج أو غيره لا يعنى أنهم يفرغون طاقة غضب بعيدًا عن مسارها الطبيعى وأنهم يستبدلون انتصار مطرب بهزائمهم فى الثورات، ولكنهم يعيشون الحياة ولا يغيب عنهم الوطن.
ويبقى السؤال: هل البرنامج يضيف شيئًا إلى الحياة الغنائية؟ أقول لكم إن الموسيقار محمد الموجى فى الستينيات أنشأ مدرسة غنائية فى مكتبه بوسط المدينة وعلى مساحة لا تزيد على 100 متر ودفعت هذه المدرسة بعدد من الموهوبين مثل محرم فؤاد وعبد اللطيف التلبانى وماهر العطار وأحمد سامى وشريفة فاضل ومها صبرى وصولًا إلى هانى شاكر، فما الذى قدمته هذه البرامج للشعوب العربية سوى الفُرقة والتناحر بين الشعوب؟! نعم كل شىء تراه الآن مغموسًا فى السياسة، أبو مازن يرسل جواز سفر دبلوماسيا إلى عساف واقتنصها كفرصة للمصالحة الوطنية، بينما رئيسنا ربما يعتبر عدم حصول أحمد جمال على الجائزة بمثابة صباع يعبث بالأمن القومى ومؤامرة شاركت فيها نانسى وراغب وأحلام وشيرين للإطاحة به فى 30 يونيو!!